مقالات

د. هانى حسين يكتب: على هامش حديث الإليزية .. “السيسى – ماكرون”

 

ربما تعود جذور الصدام بين العقل و الدين فى الغرب بتاريخها إلى العصور الوسطى، حين هيمنت الكنيسة وإستشرى نفوذها وتعالت سلطتها فى بلاط الحكم والسياسة، إذ كانت ومن دون شك على سبيل المثال صاحبة الرغبة المحركة لجيوش الغرب للسيطرة على الأراضى المقدسة بالشرق .

وقد بلغ إجتياح الخرافة على مدارك العقل مبلغا عالى الهمة فى أوروبا إبان تلك العصور وقبع الفكر فى أعتام الجهالة والجمود حتى انه وبوقت سالف إبان عصر الدولة العباسية وقع شارلمان ملك فرنسا فى فزع كبير حين رأى هدية كان قد أهداها له هارون الرشيد وكانت عباره عن ساعة تعمل بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعه كانت تتساقط كرات بعدد الساعة من الوقت على قاعدة نحاسية فتصدر صوتا موسيقيا مسموعا لكل من بالقصر وهو ما أفزع الخدم وحدا بالرهبان إلى تكسيرها فى غياب الملك ليلا لإستكشاف ساكنها من شياطين.

ويذكر أنه فى مرحلة متأخرة من هذه العصور أجبر جالليلو على التخلى عن بدعته المؤيدة لنظريه كوبرنيكوس بمركزية الشمس ودوران الأرض حولها لأنه كما يظن رجال الكنيسة قد خالف الإنجيل فرجع عن أفكاره بعد تهديد محاكم التفتيش له ناجيا بحياته رغم دفاعه بادى الأمر عن نفسه بأن ” الكتاب المقدس قد علمنا كيف نصل إلى السماء ولم يعلمنا كيف هى تتحرك” .

وبالوقت التى سيطرت فيه الخرافة والكهانة على أوروبا ووقعت فيه بين براثن الجهل والفوضى والإنغلاق الدينى إذ حال فيه جمود رجال الدين أنذاك دون توفيق معطيات الدين وحركة الحياه ومتغير الزمان فكانت أى محاولة فى سبيل إستكشاف ودراسة الطبيعة وعلومها تهاجم بفرايا الكفر والتكفير كان العرب على الجانب الأخر من البحر المتوسط قد ترجموا عن إقليدس مؤسس مكتبة الإسكندرية عام 300 قبل الميلاد بعد أنثمنوا إسهاماته العلميه المستنيرة وقدروها حق التقدير فأنجز له العالم العربى ” الحجاج” بتكليف من الخليفه العباسى عبد الله المأمون ترجمة موسوعته العلمية كما قام عام 901 ميلاديه بالأمر ذاته عالم الرياضيات العربى ثابت بن قره و الذى كان يعمل ببيت الحكمه الذى أنشأه العباسيون إلى جانب ترجماته عن أبولونيوس وأرشميدس وبنى العرب على قواعد الحضارة الإغريقيه وظهر الخوارزمى بإنجازه عن الجداول الرياضية وبن حيان فى الكيمياء والرازى وبن سينا فى الطب وبن الهيثم والبيرونى فى الطبيعه والفلك والدميرى فى الأحياء وغيرهم كثر..

وإرتقى العرب والمسلمون بالأندلس فى مجالات العلوم كافه واستبد بالغرب النهم فى النهل من علومهم حتى أنه كان يفرض على كل سفينة تغدو إلى الشرق بألا تعود إلى موطنها بأوروبا دون إحضار مؤلف أو أكثر مما أنجزه الشرق ونشطت حركة الإستشراق والترجمة عن العربيهوفى مقدمتهم الراهب إديلارد..

وفى تقدير الكثيرين أن منطلق إرتداد الغرب على فكرة الدين والتدين جاءت على مرجعية إستشراء الخرافة والتغييب الفكرى الذى إنبرى له رجال الكنيسه فى العصور الوسطى فإستحالت فكرة الدين والتدين وللأسف حالة رجعيه منفرة لعصر ما قبل التنوير وهو أمر عكسته أراء نخبوية  قديمه جنحت إلى الإلحاد طالما تردد صداها بأرباض الفكر الغربى بالقرنين السابقين لقرننا هذا  فيقول الأديب الفرنسى ستندال “كل الأديان تأسست على يد الأغلبية الحمقاء” ويقول الشاعر الأمريكى إدجار ألان “كل الأديان تنبعث من الخوف والزيف والطمع والأساطير” كما يقول إبراهام لينكولن الرئيس الأمريكى السادس عشر فى الفتره من 1861 إلى 1865 ميلاديه ” انا غير مقتنع بكل هذه المفاهيم الطويله والمعقده التى تحتويها العقيده المسيحيه” …وواقع الأمر أن الدين من كل هذا براء و أنه أبدا لم يكن حجر عثرة فى سبيل التقدم والنهوض والتطور كما ظنت بعض العقول الغربيه فى فترات إنما هى ممارسات وجمود من قاموا على أمره من رجال فى تلك العصور الظلاميه وسؤالى هل ساعد الغرب بعد ذلك فى إعادة إنتاج وتصدير هذه النعرات الدينيه المتطرفه إلى الشرق بالعصر الحديث؟……………للحديث بقيه.