مقالات

د. هانى حسين يكتب: كوكب النفاق

أشد ما يحزن فى هذا العصر مظاهر الإزدواجية المتناقضه التى إستشرت فى كثير من أفراد مجتماعاتنا.. استرعى إنتباهى بالأونة الأخيرةتداول العديد من الناس عبر  منصات التواصل الإجتماعى قصة مختلقه تحكى باختصارعن رجل من صعيد مصر استوقفته شرطية أجنبيه ببلادها وقد بادرته بسؤال عن حبه لبلاده وحبه لتلك البلد الذى يعيش فيه، فرد الرجل من فوره بأن حبه للبلد الذى يعيش فيه يشبه حب الزوجه، أما حبه لبلده كحب الأم الذى لا إختيار له فيه ولا مناص له منه .

وتنتهى القصه بطلبها الزواج منه على إثر إعجابها بإجابته البليغه لتسافر معه بعدئذ إلى مصر، فإذا هم بعد فتره قد بئست أوضاعهم المادية، و إنتهى بها الأمر تبيع الخضار على أحد الأرصفة تلعنه هو وبلاده ثم يزيل صاحب الأقصوصة الساذجه كلامه برجاء حار لكل من قرأ هذا الهراء ألا يدع المنشور”البوست” قبل أن يصلى على النبى عليه الصلاه والسلام.

وبغض النظر عن الغاية التى يود صاحب “البوست” الوصول اليها عبر منشوره من تأليب للنفس على الأوطان وبث روح من الحنق والسخط  عليها قى قالب جاذب من الفكاهة مستغلا جنوح الشخصية المصريه إلى روح الدعابة وخفة الظل كى يصل الى مقصوده، فإن مزج ذكر رسول الله بجلال مقامه فى معرض هزل وإبتذال هو ولا شك خلط هزل بجد لا يليق وتهريج مسف.

لست أدرى أهو دأب من قلة الإحترام وغياب الوعى لدى الناشر والناقل على حد سواء اعتدنا عليه فى عصرالفضاء الإليكترونى أم هو عدم إكتراث بما يليق وبما يتجاوز حدود اللياقة.

وهنا تأخذنى البوستات الدينيه التى تملئ الأفاق ويتداولها الناس عبر”الواتس” و”الفيس” بحماسة وهمة ولربما لم يقرؤها أصلا بعض متداولوها بل وأغلبهم للأسف لا يعملون بما علموا منها..

وكذا الموظف الذى يتفنن فى وضع العراقيل أمام صاحب المصلحه فإذا دس المواطن بين أوراقه ما يسره من رشوه تحت أى مسمى رقيق خادع إذا بكل الأبواب الموصدة تتفتح بيسر وسهولة وبينما هو على هذه الشاكلة تجده لا يدع فرضا ولا نافلة فى مشهد يعكس ما قد إعترانا من أشكال التدين الظاهرى والنفاق..

وهؤلاء الذين يشبهون هذا اللاعب أو ذاك بكلب أسود ويدنسون مقابرا بهزل افعالهم نكاية فيه وجمهوره فى مظهر عنصرى بغيض ثم ينتفضالطرف الأخرمن جمهور الفريق المنافس بفعل كذا أو سب كذا وتناسوا جميعا أن 72 شخصا قد فقدوا أرواحهم منذ عدة سنوات بسبب لافتة حمقاء..

تلك الفوضى الصاخبه من البوستات المتعصبه وهى تنضح بهذه التقيحات لا تتورع بكل أسف وهى تصنع ذلك أن تضع فى خلفية صفحاتها لافتة “إلا رسول الله” ردا على الهرطقة الفرنسية الحمقاء…

تناقض عجيب ينهى عن فعل ويأتى بمثله…وصور هذه التناقضات باتت تشيع فى مجتمعاتنا ثم نغضب ممن يهاجمون ديننا والحقيقه أننا من أمددناهم بذرائع هذا الهجوم بسوء تصرفاتنا وتناقض أفعالنا وعدم إكتراثنا بجوهر ديننا وأخلاقياته ونهج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فإنطبق علينا المثل الشعبى ” اللى يلف الحبل حول رقبته فهناك ألف من يشده” وتندلع على الجانب الأخر هنالك بفرنسا مظاهرات منددة بقانون تجريم تصوير أفراد الشرطه حال إساءة نيه المصورفى تناقض مريع مع حجة الرئيس الفرنسى بسؤاله عن الرسوم المسيئه بأن الموضوع كله محض حريه درجت عليها فرنسا منذ عهد سحيق…

منتهى التناقض ..هو ذات التناقض الذى حدا بأمريكا أن تتسبب فى مقتل وتشريد ما يزيد عن مليون عراقى بدعوى الحرية واقرار الديمقراطيه ببلاد الرافدين وهى نفسها الذرائع التى تسببت فى أتون الضياع المشتعل بالشرق الأوسط والذى لم يصب فى مصلحة أحد سوى مصلحة الكيان الصهيونى فهذه سوريا وتلك هى ليبيا وهناك اليمن وذاك لبنان فى حين تجد الغرب و أمريكا مغمضا العينين عن المذابح فى غرب أفريقيا التى تقترفها جماعة بوكو حرام منذ العام 2009 ذلك لأن هذه وتلك من أخواتها فى الرضاعة من داعش وقاعدة وإخوان للأسف الشديد يذبحون الإسلام بزعم الإسلام  وهو أمرقد يطيب لهم كما طاب لهم من قبل فإستخدموهم بأفغانستان فى حرب بالوكاله ضد السوفييت …

لقد بلينا بأقوام تهلل فينا وتسبح …لكنها كالجزار يذكر الله ويذبح….لا زلت أذكر مشهدا يجمع الحكيم ومسعود أبو السعد فى رائعة أرض النفاق ليوسف السباعي حين يقول الأول إن أقراص النفاق هى الأكثر رواجا والأكثرإبتياعا من محل الأخلاق بين الزبائن فى هذا العصر..نعم إنه كوكب النفاق الذى نحيا على ظهره فلا نستحى ممن خلق فسوى.