فنون

شاهندة محمد على تكتب: “وقفة رجالة”.. و”كيميا” النجوم

العمر لا يحسب بعدد السنوات، فهو متجدد يعد مجرد رقماً للبعض، بينما يعد حاجزا للبعض الآخر، فلا يؤمن به الكثير، ولكنه يعد باب لحياة بأكملها فى كل لحظة بداخله، فهو الرحلة التى نستثمر فيها لحظات الصداقة، الحب ، الخذلان، الخوف، الفراق، الألم ووداع الآخرين، وأيضاً إعادة اكتشاف أنفسنا، فالعمر هو تراكمات لوجودنا، وملخص لشعورنا تجاه الحياة ، فجميعنا نحيا  ونموت فى كل لحظة منه ، ولكن هناك من يبدأون من تلك النقطة الرقمية التى لا تشكل أهمية لما تعانية هذه سواء قد بدت كبيرة أوصغيرة ، فهى فى الأساس تشكل لهم مجرد رقم، ومن هنا يفتح الفيلم عداد العمر لأربعة من الأصدقاء فى أواخر الستينيات بأنماط مختلفة تعيد صداقتهم الإشارة إلى العلاقات الإنسانية فهذه سمة للمؤلف ( هيثم دبور ) الذى سبق وقدم عدد من الأعمال التى تبحث فى العلاقات الإنسانية ، ومنهم على التوالى  فيلم (فوتو كوبى ) عام 2017 ، وفيلم  (عيار نارى ) عام 2018، فالأول يتحدث عن العلاقة بين أخوين تنتهى بمصرع أحدهم داخل أسرة بسيطة ، والثانى يتحدث عن تجربة زواج لإمرأة ورجل فى سن الستين لفقدانهم الأبناء ولمعاناة المرض، فيقررا الونس ببعضهما ضاربين بآراء المجتمع عرض الحائط .

الأبطال وأزمات منتصف العمر

فيبدأ المشهد الأول بالتعرف على الزوج العصرى الذى يعتنق الديانة المسيحية ( سيد رجب ) فهو من الطبقة الفوق متوسطة الذى ينتظر زوجته( سوسن بدر)  داخل إحدى المستشفيات، ونعلم أنها تعانى مرض السرطان، وأنه لا يكتفى بقضاء ساعة واحدة لزيارتها فى غرفة العناية المركزة، فيستخدم عدة حيل كوميدية تظهر لنا مدى حبه لها وتعلقه بها وأنه يحلم بخروجها ليأخذها خلفه على الدراجة النارية التى حلم طوال شبابه بشرائها، وبالفعل قام بشرائها وبشراء خوذة حماية لزوجته كما يفعل الشباب فى الوقت الراهن؛ وبعد تقديم الثلاث شخصيات الأخرى يعود بنا المخرج لنعلم بموت الزوجة ويقرر الأصدقاء الثلاث وهم(شريف الدسوقى) الذى نراه حاملاًللعديدمن المشتريات الذى يوزعهاعلى أفرادعائلته بطريقةكوميدية فنعرف أنهم مقيمين معه داخل العقار ونتعرف بزوجته (ايمان السيد) فهو من طبقة بسيطة فهو نموذج للجدال دائم الاجابة على التساؤلات وملبى للاحتياجات لكل أفراد العائلة.

ثم نتعرف بالشخصية الثالثة لرجل من الطبقة الفوق متوسطة وهو (بيومى فؤاد) الظابط البحرى السابق وزوجته (ايمان الطوخى) الذى تعانى منه ، فهو مصاب بالخرس الزوجى خاصة بعد سفر أولادهم الى الخارج؛ثم نتعرف بالشخصيةالرابعة وهو (ماجدالكدوانى) من الطبقة الثرية فه ورجل الاعمال المتصابى،فنرى نقطة ضعفه الفتيات، ودائماً ما يحدث الشجار بينه وبين ظابط البحرية ( بيومى فؤاد) ، فيجتمع الأصدقاء عن طريق محادثة تليفونية جماعية ، ويعلموا موت زوجه صديقهم، فيقرروا السفر لمساعدته على الخروج من أزمته ؛ ومن هنا جاء عنوان الفيلم (وقفة رجالة ) .

وقفة رجالة بين ( The Hangover و ((Last Vegas)

فنكشف أن قصة الفيلم ،قد تم معالجتها عام 2009  فى فيلم (ذا هنجوفر) لثلاث رجال سافروا (لاست فيغاس) لإقامة حفل توديع العزوبية لصديقهما الذى على وشك الزواج.

لكن هؤلاء الثلاثة يستقظون فى الصباح التالى للحفلة دون ذاكرة، عن ما حدث إضافة إلى اختفاء العريس، فيتوجب عليما العثور عليما قبل موعد الزفاف، وأيضا فى عام 2013، فى فيلم ” لاست فيغاس” وهو الأقرب لمعالجة فيلم ” وقفة رجالة، حيث تدور الأحداث حول أربعة من الأصدقاء أيضا هم بيلى (مايكلدوجلاس)،وبادي (روبرتدينيرو)،وأركي (مورجانفريمان)،وسام (كيفينكلاين) يجتمعون بعد أن فرقتهما شئون الحياة، ليعيدوا أمجاد الصداقة والشباب والاحتفال بصديقهما بيلى الذى يقرر الزواج من فتاة تصغره بأكثر من ثلاثين عاما على الأقل، فيسافروا إلى فيجاس وهنا تقع عدة مشاكل يختبر فيها صلابة صداقتهم.

 

   محطات التشابه بين ( وقفةرجالة ) و( لاست فيغاس)

ونلاحظ تشابة  تكرار بعض المشاهد والاحداث ومواقع التصوير فى فيلم وقفة رجالة ، فيتبدل مكان (فيغاس) ب قرية (سوما بية) ، ويستخدم مشهد المكالمة الجماعية التى تجمع بين الأصدقاء ، ومشهد السيارة التى يجتمع فيه الأصدقاء جميعاً، وحنكة التمثيل على الصديق التى توفت زوجته لإقناعه بالسفر، ومشهد المشاجرة  داخل الملهى الليلى، وبعض مشاهد الشاطىء. ولكن تمت هذه المعالجة بشكل جيد يتناسب مع الحالة ككل وخاصة فى  خلق المواقف الكوميدية الجيدة .

محطات الاختلاف بين ( وقفة رجالة ) و( لاست فيغاس) والبناء الدرامى

يضيف المخرج شخصية ( محمد سلام ) التى الذى يعمل موظفاً بالشركة لدى ( ماجد الكدوانى ) ونعلم أنه على علاقة حب قديمة ب (أمينة خليل ) التى تعمل أيضاً موظفة لنفس الرجل  ولكن فى مكان أخر وهو سوما بيه وأثناء الرحلة يعجب (الكدوانى ) بـ (أمينة خليل ) ويطلبها للزواج، رغبة فى بناء عائلة فإنه سئم حياة العزوبية، ومن هنا يحدث الصراع على هذه الفتاة، فاستخدم السيناريست الخط  المتوازى من خلال شخصية (محمد سلام ) مع خط شخصية (سيد رجب) كمحاول للخروج من أزمة البطل بعد موت زوجته  فكأن هذه العلاقة مرأه لعلاقته بزوجته،  فنراه الداعم الأساسى لهذا الشاب فى  محاولات الحصول على حبيبته ؛ وهنا تختلف الأحداث بإضافة رؤيتنا لقصة (سوسن بدر) و (سيد رجب ) عكس فيلم (لاست فيغاس ) الذى يختزل موت زوجته، ليتخذ من هذا الحدث  المعالجة التى اختلفت بحدث حفل العزوبية ، فقلب المخرج الحبكة لتصبح ذو ملامح مصرية تتناسب مع قيمة الوفاء، وتتناسب مع الخط الدرامى و ظهور شخصية محمد سلامة وأمينة خليل، ويكون الزواج من هذه الفتاة الثلاثينية هو الذروة ، ويظهرصراع  لبقية الشخصيات الأخرى التى تعانى الأزمات المختلفة التى يطلق عليها بأزمة منتصف العمر .

تحقيق المعادلة الصعبة                                                 

نجح العمل فى التحدى لتقبلنا رؤية رجال فى السيتينيات وكأننا نشعر بأنهم فى سن العشرين ، من خلال كوميديا الموقف وبالطرح الذكى لاستخدام هؤلاء الرجال للتكنولوجيا الحديثة التى ترسل الكثير من المعانى الإنسانية عن رمزية السن فى مواكبة العصر، وفى عرضهم لمعاناتهم وصراعاتهم  بحرفية داخل المشاهد التراجيدية، فهذه المعادلة الصعبة التى توضح مهارة الكاتب والأداء التمثيلى لهولاء الأبطال المتمرسين فى قدرتهم على ربط المشاعر والأجيال معاً ، وتوليد المفارقات الكوميدية من هذه الحالة، فلا نشعر بفوارق حتى على مستوى الحوار الذى  ينتمى إلى الحوار المعاصر المكتمل بطريقة الملابس وحركة الأجساد والانفعالات،  فرؤيتنا لفيلم بطولاته مجموعة من رجال يعد حالة  قليلة الظهور فى السينما المصرية  لها مذاقها الخاص حتى وأن سبق رؤيتها فى فيلم (سهر الليالى )  فالمرحلة العمرية هنا مختلفة والحالة أيضاً فـ”الكيميا” المتصلة بين هؤلاء هى من صنعت هذا المذاق النابع من التلوين فى الشخصيات .وبالمقارنة فالدراما النسائية تمتلك النصيب الأكثر من تقديم هذه الحالة،  وإن كانت أيضاً غير مستغلة بالشكل الأمثل، ولكن إذ اعتبرنا أن هذا الفيلم عن الرجال فهو أيضاً وبذكاء كاتبه لا يخلو من التلميحات السريعة عن قضايا المرأة  وكيفية النظر إليها والتعامل معها كقيمة حقيقية، فتتناول دراما الفيلم هنا أكثر من جانب، وخاصة التحدى مؤكداً ذلك باستخدام الزوايا القريبة للشخصيات طوال أحداث الفيلم للتأكد على قيمة المعانى الإنسانية فى حالتى الحزن والفرح، والمشاهد المليئة بالحيوية والطبيعة، ومن خلال النهاية التى يقررها البطل، فنراه متجهاً إلى اليمين خارج الكادر بدراجته النارية مقررا الاستمتاع بالحياة.

وعلى مستوى الأداء التمثيلى فتأتى رؤيتنا لبيومى فؤاد ، محمد سلام و أمينة خليل كما أعتدنا عليهم فلم يأتوا بجديد ولكن هذا  لم يؤثر على حبكة العمل ، ولكن خرج الكدوانى وسيد رجب عن منطقة التجسيد إلى منطقة المعايشة ، ونجح (شريف الدسوقى ) فى تقديم التراجيديا بغير المعتاد عليه.