سلايدرمقالات

الدكتور حسين المقداد يكتب ..بدائل الدولة المصرية لإحباط مخطط التهجير 

كاتب المقال أستاذ القانون الدستوري ورئيس قسم القانون العام بجامعة حلوان 

 

 

(( خارطة طريق للخروج من أزمة التهجير ))

 

 

 

تواجه الدولة المصرية بقيادة السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، تحديات عديدة على المستويين المحلي والإقليمي، لعل أبرزها سياسة التهجير القسري للفلسطينيين التي أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة انتهاجها على حساب دولتي الجوار- مصر والأردن، حتى إن السيد الرئيس قد علَّق زيارته إلى الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى اعتراضًا على طريقة الحوار التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة، بينما تعكف الحكومة المصرية على إعداد مقترح للحيلولة دون تهجير الفلسطينيين، يكون بمثابة خارطة طريق للخروج من أزمة التهجير، على النحو الذي يكفل حق الفلسطينيين في البقاء في وطنهم الأصلي، وفي الوقت ذاته يتلافى الصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة وهي شريك استراتيجي لمصر في نواح عديدة جديرة بالاعتبار.

وانطلاقًا من واجبي تجاه وطننا العريق وقيادتنا السياسية الحكيمة التي أعادت لمصر مكانتها الإقليمية والدولية في وقت قياسي، وبرهنت للعالم بأسره على أن مصر حجر الزاوية في الجدار السياسي العربي والشرق أوسطي، فقد وجدتُ من المناسب أن أعرض رؤيتي المتواضعة لبعض البدائل التي يمكن للدولة المصرية أن تطرحها على الدول المنعقدة في القمة العربية الطارئة وعلى العالم بأسره، وهي بمثابة خارطة طريق للخروج من أزمة التهجير القسري للفلسطينين، والتي تتلخص في عدة محاور أوجزها في الآتي:

أولاً: الرفض الفلسطيني القاطع لمخطط التهجير؛ ثانيًا: تقديم بدائل عملية وعاجلة للإعمار في وجود الفلسطينيين؛ ثالثًا: تدويل قضية التهجير عبر القنوات الشرعية الإقليمية والدولية؛ رابعًا: الضغط على الإدارة الإسرائيلية بالعديد من أوراق الضغط؛ خامسًا: العمل على الاتساق مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

أما عن المحور الأول، والمتعلق بالأشقاء الفلسطينيين، فيتمثل في ضرورة إظهار الفلسطينيين أنفسهم رغبتهم في البقاء في أرضهم، ولو تطلب الأمر التضحية بأنفسهم في سبيل الحفاظ على الأرض، وليوقنوا في أن خروجهم منها يفرغ قضيتهم من مضمونها، وينتهي بالقضية الفلسطينية إلى تصفية نهائية، ويجعل منهم شتاتًا بين الأمم. لذا، يتعين على السلطة الفلسطينية أن تعزز تواجدها في المحافل الإقليدية والدولية لتبرهن على تمسك شعبها بقضيته الأصلية- قضية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م وفقًا لقرارات الأمم المتحدة وعاصمتها القدس الشرقية، ولتستنهض شعبها في التظاهر المستمر للمطالبة بحل عادل لقضيته العادلة، وأن تعمد إلى جمع الفصائل والأطياف الفلسطينية المختلفة تحت راية واحدة، وأن يقدموا مصلحة الدولة الفلسطينية على المصالح الفئوية، موقنين في حقهم المشروع في تقرير مصيرهم ولو بالقوة.

وفي هذا السياق، أنوه على ضرورة تخلي حركة حماس عن موقفها المتشدد في ضرورة تواجدها في الإدارة السياسية التي سيعهد إليها بإدارة قطاع غزة، والعمل على عدم الاستجابة لسياسة الاستفزاز التي تنتهجها حكومة الاحتلال، على الأقل لحين الخروج من أزمة التهجير، آخذة بعين الاعتبار أن الحفاظ على الأرض مقدم على كل ما سواه، فضلاً عن تجنيب المدنيين المزيد من ويلات الحرب التي دفعوا كلفتها الباهظة.

وأما عن المحور الثاني، والمتعلق بتقديم بدائل عملية وعاجلة للإعمار في وجود الفلسطينيين، فيتمثل من وجهة نظرنا في تقديم خطة بناء وتعمير واضحة ومحددة تقوم على الحلول البنائية العصرية أو الذكية، والتي منها الاعتماد على المنازل والمرافق الخدمية الجاهزة- فقد شاع مؤخرًا قيام مصانع للمنازل الجاهزة، مع المناوبة بين المحافظات والأحياء في نقل السكان، وبما لا يستتبع إخراجهم من وطنهم الأم مطلقًا.

وتقوم هذه الخطة الإعمارية على توزيع الأعباء المالية والتنفيذ الميداني على كافة الدول العربية والإسلامية والأوروبية الداعمة لمقترح حل الدولتين- كلاً منها حسب قدرتها. وأقترح هنا أن يتم ربط المرافق الخدمية كالتعليم والصحة بمرافق الدول المتعهدة بالمساعدة، كأن يتم توفير أجهزة لوحية وشبكة إنترنت لطلاب المدارس والجامعات، ويتم ربط كل مجموعة من الطلاب والدارسين بمدارس وجامعات في دولة معينة، فيدرسوا من بُعد، وفي مجال الصحة، يتم إلحاق عدد معين من ذوي الأمراض أو الإصابات التي لا يمكن معالجتها داخل القطاع بمستشفيات دولة معينة، ثم يعودون مرة أخرى، فضلاً عن إيصال المساعدات اليومية.

وأما عن المحور الثالث، والمتعلق بتدويل قضية التهجير عبر القنوات الشرعية الإقليمية والدولية، فيتمثل في إشراك الشركاء الفاعلين في صنع القرار السياسي العالمي في هذه القضية ووضعهم أمام مسئوليتهم الدولية، ومن ثمَّ تكوين رأي عام عالمي حيال القضية، وعلى وجه الخصوص إشراك الاتحاد الأوروربي والصين وروسيا، في محاولة للتخلص من هيمنة القطب الواحد على مجريات الساحة السياسية الدولية.

وأما ما يتعلق بالمحور الرابع، وهو الضغط على الإدارة الإسرائيلية بالعديد من أوراق الضغط، فيتمثل في تغليظ لغة الحوار مع الإدارة الإسرائيلية التي دأبت على التمادي في التجاوز إلا أن تُجبر إجبارًا على التفكير مجددًا فيما تخشى عليه، ولديها الكثير مما تخشاه، وهنا أقصد تحديدًا قضية السلام- من ناحية، وقضية تفوقها الإقليمي- من ناحية أخرى. أما عن قضية السلام، فيتعين التلويح رسميًا بالانسحاب من اتفاقية كامب ديفيد، وهو ما تخشاه إسرائيل جيلاً بعد جيل، وأما عن قضية تفوقها الإقليمي، فأقصد سلاحها النووي الذي طالما تفوقت به على دول الجوار، ففي حالة تهديدها باستعمال القوة العسكرية لتمرير مخطط التهجير، علينا أن نحملها على إعادة النظر في الحفاظ على مقدراتها النووية التي توشك أن تتلاشى!!

وأخيرًا، وليس آخرًا، وفيما يتعلق بالمحور الخامس، والخاص بالعمل على الاتساق مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فأود التنويه إلى أهمية العلاقات الاستراتيجية المصرية الأمريكية، والتي تستتبع انتهاج سياسة “النفس الطويل”، وتلافي التصادم مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لا بدافع الخشية أو الخوف كما قد يفهم عوام الناس، بل بإدراك حجم وثقل الولايات المتحدة كشريك استراتيجي لمصر في ملفات عديدة، وإدراك أن اختلاف وجهات النظر لا ينبغي أن ينتهي بقطع العلاقات الاستراتيجية، ولو لوحت الإدارة الأمريكية بقطع معونتها التاريخية، إلا أن يصل أمر عنادها إلى محاولة المساس بالأمن القومي المصري، فساعتها مصر أولاً وأخيرًا.

وليعلم القاريء الكريم أن مصر قوية بالله أولاً، ثم بقوة رئيسها وجيشها وشرطتها ومؤسساتها الرسمية، وقبل ذلك بشعبها الذي يتناسى كل الصعاب في الوقت الذي يسمع فيه بمن يهدد أمن بلاده وسلامة ووحدة أراضيه.