د. عادل القليعى يكتب: فضيلة العمل وبناء الأوطان
من أعظم الفضائل التي دعت إليها كل الأديان وتحدث عنها فلاسفة الأخلاق في العصر اليوناني والوسيط والمعاصر ومن قبلهم في حضارات الشرق القديم وخصوصا الحضارة المصرية القديمة، فضيلة العمل، فقد شاهدنا ذلك علي جدران المعابد، كيف أن المرأة تقف جنبا إلي جنب مع زوجها في حقلهما، يعملان جنبا إلي جنب من أجل الزرع والحصاد والنماء.
قد شاهدنا ذلك وشاهدته بعيني في واقعنا المعاصر، رأيت الشباب يفترشون الأرض بالمنتجات لبيعها وتسويقها لكي ينفقوا علي أنفسهم في تعليمهم ومنهم من يعمل ليساعد ذويه في أحوالهم المعيشية، وهذا ليس عيبا، وبسؤالهم، وما هي دراستك يا بني، يا بنيتي، منهم من يقول أدرس في كلية الهندسة ومنهم من يقول أتعلم في كلية الآداب، والتجارة.
هكذا أيها الشباب تبني الأوطان وتبني الشخصية المعتبرة، ليس هذا وحسب بل شاهدت رجلا سبعيني ويشهد الله يجر عربة عليها بعض الفواكه، واستوقفته واشتريت منها، سألته لماذا، قال خير من أنتظر من يمن علي ويتصدق، بل واساعد أبنائي المتزوجون علي معيشتهم، فمرحبا مرحبا بأمثال هؤلاء.
وعلي الجميع أن يتخذهم قدوة لهم فليس عيبا أن نبيت في بيوتنا كادين مكافحين آكلين من كد يدنا، هذا خير.
أم نقف علي قوارع الطرقات نتسول من المارة تلك الظاهرة القميئة التي انتشرت واستشري خطرها في مجتمعنا، في المواصلات، في الطرقات، أمام المساجد.
هل علمتم أن جميع الأنبياء والرسل كانت لديهم حرف يقتاتون منها، فمنهم من كان يعمل نجارا ومنهم من كان بعمل بالتجارة، ومنهم من كان يعمل بالرعي، ليس هذا وحسب بل وتلك الفضيلة جعلها حكيم اليونان سقراط ضمن سلسلة الفضائل التي ترتقي بالفرد ومن ثم ترتقي بالمجتمعات،فالمجتمعات لاتبني بالتكاسل والنوم السبات والركون الي مؤهل حصلت عليه وتجلس بجواره تتغني به لا وألف لا بل المهم أن تبحث لك عن فرصة عمل ولا تتواكل وتنتظر من يمن عليك بهذه الفرصة لا أطرق الأبواب مستعينا بالله تعالى فقد كتبت الإجابة لمن أدمن الطرق، واسلك السبل وتوكل علي الله.
دعوتي هذه موجهة إلي الجميع دعكم من اللامبالاة والسلبية واسعوا إلي تحقيق أمانيكم بأيدكم لا بأيدي أحد، فما حك جلدك مثل ظفرك فتولي أنت جميع أمرك ، ويكفي أن أباك وصل بك إلي هذه المرحلة ، علمك أحسن تعليم وجعلك تحصل علي أرقي الشهادات فأره منك خيرا وثابر وكافح وجد واجتهد ولن يترك الله عملك.
إن المجتمعات المعاصرة لاتبني إلا بالعمل، والسعي في طلب الرزق، هل أنتم أقوي وأشد قوة أم عصفور صغير يطير بجناحيه سعيا في الصباح الباكر يطلب الرزق لإطعام نفسه وصغاره، هل هذا العصفور تواكل لا والله، لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا، والتوكل هو الاعتماد على الله تعالي والسعي علي الرزق والعمل دونما تواكل.
ليس عيبا أن لا تعمل بمؤهلك اسعي واعمل واكسب قوت يومك واسعي بجانب ذلك إلي تحقيق هدفك.
ولنا في المعصوم صل الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة.
النبي صلي الله عليه وسلم قبل يد الرجل صاحب اليد الخشنة ويقول هذه يد يحبها الله ورسوله ، والرجل الذي يأتيه يطلب مساعدة أي يتسول يقول له المعصوم سأقرضك مبلغا واذهب واشتري قدوما واذهب واحتطب وبع وتعال إلي بعد أيام وياتيه متربحا فرحا ويسدد دينه للنبي .
ويقول له الرسول خير لك هذا أم تتسول الناس وأكرر واشدد القول هذه ظاهرة رزيلة بئيسة ملئت مجتمعنا أصبحت مهنة التسول والمتاجرة بالأطفال والمتاجرة بالأمراض، ولاتقول لي نلتمس عذرا فهناك التضامن الإجتماعي والمؤسسات الإجتماعية والجمعيات الخيرية التي تقوم بعمل دراسة حالة علي المحتاجين الحقيقيين الذين لا يسألون الناس إلحافا.
أما أن نعطي كل من هب ودب ومد يده فهذه ستكون بمثابة دعوة وشرعنة للتسول.
الرسول الكريم لخص المسألة لو وضعت عربة عليها أي شيئ يباع ستكسب بل وستربح ولكن أصبح طريقا سهلا ، أصحاب الحاجات لا يسئلون الناس ٱلحافا تعرفهم بسيماهم،لا يطلبون من أحد وهناك حالات كثيرة نذهب إليها وإلي بيوتها وعندما نسألها عن حاجتها ونقدم لها معونات عينية يردوا قائلين نحن مستورين هناك في المكان الفلان من هو محتاج أكثر منا هؤلاء أهل الفضل .
يا بني، يا أخي أنت الآن في كامل صحتك وفي ريعان شبابك متي ستجد وتعمل، شبابك ستسأل عنه وصحتك ستسأل عنها فاغتنمها ولا تجعل الفرصة تفوتك، ودعك من الوقوف علي قوارع الطرقات واعمل أي شيئ ، قبل أن يدخل الغاز الطبيعي إلي منطقتنا كنا نستخدم أسطوانات البوتاجاز، وطلبت من أحد الشباب الذي يبيعها أن يحضر لي واحدة ودخلت معه في حوار اعحبتني فصاحته قلت له يابني أنت خريج جامعة قال نعم، قلت له ولماذا تعمل هذا العمل الشاق قال ولم لا العمل ليس عيبا.
لن أنتظر فرصة عمل سأبحث أنا عنها يكفي ابي ان أوصلني إلي ذلك كفاه ذلك. وهذا ما تحدثت عنه في بداية مقالتي.
هؤلاء هم الرجال عصب الأمة وأئمتها الذين سيقودون وسيصبحون قادة الذين لم يلولدوا وفي أفواههم ملاعق ذهبية، هؤلاء هم الذين سيسطرون بأحرف من نور ملاحم كفاحهم التي ستحكي بعد ذلك.
هؤلاء هم الذين ستبني علي أكتافهم الأوطان، هؤلاء هم أصحاب الأيدي الخشنة شاهدناهم كثيرا وناقشناهم في رسائلهم العلمية واصبحوا أساتذة في مراكز مرموقة تستفيد منهم بلدهم وبخبراتهم، هؤلاء هم الرجال الذي لا يرتدون قفافيز في أيديهم، ليست أيديهم ناعمة، هؤلاء هم ملح البلد، هؤلاء هم الرجال ومصرنا مليئة بالرجال.
الدعوة عامة للجميع العمل ،ثم العمل ثم العمل والدعوة تشمل الجميع الطبيب في مكانه ، في مشفاه،المهندس في مصنعه، المدرس في مدرسته، الأستاذ الجامعي في كليته لا تهاون العمل الجاد الدؤوب، فكما ذكرت لا تبني الأوطان بالتكاسل والتواكل والتغني أن أبي كان وأمي كانت فليس الفتي من قال أبي أو قال أمي ولكن الفتي من قال أنا ذا ، أنا اهو واقف أمامكم بنيت نفسي بنفسي، (وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
فاجتهدوا وجدوا وكافحوا وابنو أوطانكم أروا أراضيه بعرق جبينكم، هيا هيا
بقلم:د. عادل القليعى
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.