د. هانى حسين يكتب: هوامش
عرفت المصطبة فى مصر القديمة كأحد أشكال الأبنية الجنائزية، وهو بناء مستطيل أو مربع الشكل، يعلو سطح الأرض المستوية، واتخذ أهل الريف المصرى الشكل نفسه متموضعا فى مقدمة الدور وفى الأفنية كمجلس يتردد إليه السّمار من أهل البيت أو الصحاب يتداولون فى جلستهم إليه سائر الموضوعات من شئون الحياة إلى السياسة أو الدين أو حتى النوادر والطرائف، ولربما ناظرت المقاهى بالمدن نفس الغرض.
ولكن اندثرت المصطبة مع تطور الحياة و تغير الأنماط المعمارية التقليدية بأخرى تسع هذا الزحام و التكدس.. لكن لم تندثر الفكرة المطمورة فى عمق الشخصية المصرية الاجتماعية بطبيعتها بعض الشيء .
ومع التطور المذهل فى مجالات تكنولوجيا الاتصال تعددت منابر التواصل الإجتماعى فانطلقت عبرها تباريح الحب الدفينة فينا للمصطبة.. ولتظهر المصاطب الاليكترونية مع الفارق الكبير بينها وبين المصاطب التقليدية إذ أن فردية الناشر وبعده عن المواجهة المباشره للمتلقى دفع البعض إلى تجاوز حدود اللياقة أحياناً فلكم صارت ميداناً خصباً للتنمر و السخرية والملاسنة و الانتقاد اللاذع والرأى الهش الذى لا يستند إلى معلومة أو فكر..المهم أن نتكلم…لا شيء يعجب..إن قلت “نعم” تجد من يقول ولما لم تقل “لا” و إذا قلت “لا” قالوا عساها كانت “نعم” وكلنا صار يفهم فى كل شيىء من الرياضة إلى الاقتصاد إلى الدين إلى السياسة إلى الخواص الكيميائية لثانى أكسيد المنجنيز مع أن جادة الصواب تكمن فى الأية الكريمة من سورة الإسراء “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”.
انتشرت بالأونة الأخيرة ظاهرة اتجاه البعض لجمع الأموال بزعم الاستثمار بعوائد ربحية يسيل لها لعاب البعض فيطيش بهم هاجس الربح السريع لأن يودعوا أموالهم لدى هؤلاء ” المستريحين” كما يعرفون إعلاميا بل إن بعض المواطنين يقترضون من البنوك بفوائد أقل ويودعونها عند هؤلاء بفوائد أعلى ليحصّلوا الفارق …ولن نقول أن ذاكرة هؤلاء قد تناست مشاكل شركات التوظيف كالريان والشريف والسعد بثمانينات القرن الماضى بل هى قد تغاضت وغضت طرفها عن هؤلاء الذين يتساقطون بين الفينة و الأخرى على مدار السنوات الأخيره من جراء هذا النصب و اللعب على أطماع النفس ..فأى نشاطإقتصادى شرعى هذا على ظهركوكبنا الذى يجلب للمودع مايربو عن 35% من جملة رأس المال كل شهرين.. وفى هذاالسياق يجمع مستر حسين “مستريح المنيا” الجديد ما يفوق المليار والنصف من الجنيهات حتى أن قرية واحدة تجاوز إيداعها لديه الخمسين مليون جنيه..
وهنا لا أجد من بدٍ فى مناشدة الدولة وذوى الاختصاص بتشكيل لجنة اقتصادية على أعلى مستوى يتبنى أمرها مجلس الشيوخ لدراسة الأمر والوقوف على أسبابه و التصدى له من خلال إيجاد الحل و البديل الآمن اقتصاديا لمن يملكون المال ولا يملكون فكر أوشجاعة استثماره ولربما يكون أحد الحلول فى محافظ استثماريه تؤسس لحساب شركات قطاع الأعمال العام و استغلال هذه الأموال لرفع كفاءتها وتطويرها بشكل عصرى بعد أن أكل الدهرعليها وشرب دون أن تمسها طاقات التطوير والتحديث وكذا تغيير النمط البيروقراطى بإدارات مختلفة من خارج هذا القطاع.
يعد قرار تقليص مدة تطبيق التأمين الصحى الشامل إلى عشر سنوات بدلا من ثمانية عشر سنه من القرارات الهامه التى تستحق الإشادة والثناء ففى تقدير الكثيرين مثلى أن مشروعى التأمين الصحى الشامل وتنمية الريف المصرى والذى يستهل بألف وخمسمائة قريه غضون ثلاث سنوات لهما المشروعان صاحبا الأثر الأبلغ فى رفع جودة الحياه والارتقاء بمستواها بشكل مباشر فى عموم القطر المصرى ولا غرو إذ أقول أنهما من أهم مشروعات مصر بالتاريخ الحديث ولا يضارعهما فى هذا السياق إلا مشروع السد العالى…و إنى لأتمنى على القائمين بتنفيذ مشروع الارتقاء بالريف شمولية الرؤية لتشمل المنحى الاقتصادى إن توفر إلى ذلك سبيل و ذلك باستغلال أية مساحات مناسبة من الأراضى البور المتناثرة فى بعض القرى ليس فقط لتشييد المساكن إنما لبناء مجمعات متعددة الأدوار للورش والصناعات المتناهية الصغر ذات الصلة بالنشاطات الإقتصادية فى الريف وإدراج برامج لإعادة التأهيل المهنى من خريجى الدبلومات الفنيه لإكتساب مهارات نوعيه تستوعبها هذه الورش و احتياجات سوق العمل للعناصر الفنية المدربة.. فضلا عن دمج الشباب من خلال المدارس والجمعيات الأهلية التى انتشرت بالفترة الأخيرة فى الريف فى برنامج التطوير هذا و استغلال طاقاتهم وحماستهم فى التشجير وطلاء واجهات المنازل بلون موحد وتسمية الشوارع والحارات وتحفيز الأهالى على الحفاظ وصيانة هذه المكتسبات….
حفظ الله مصر وطناً وشعباً وجيشاً