
الحمد لله وأصلي وأسلم وأبارك على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإن من تمام العلاقة بين العبد الراقي صاحب القلب الصافي وربه جل في علاه وعز، أن يكون دائم الشكر لربه على جميع نعمه وعطاياه،
فالله صاحب العطاء ونعمه لاتعد ولا تحصى ولعل من تمام النعمة على العبد ماقاله حضرة النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»
فهذا حديثٌ عظيمٌ يبين فيه أنه من كانت عنده هذه النعم
النعمة الأولى آمِنًا فِي سِرْبِهِ يعني في مسكنه ومنزله ومن حوله، وأيضا لا يخاف من الأعداء.
النعمة الثانية: مُعَافًى فِي جَسَدِهِ من الآفات والأمراض المقلقة والمزعجة، وهذا من تمام النعمة
النعمة الثالثة: عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمه أي عنده غداءه أوعشاءه،
فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا لأنه اجتمعت له النعم والمتطلبات، وتمكن من الانتفاع بها، فهذه كلها والحمد لله الآن متوفرة لنا، فعلينا أن نشكر اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بأن نستعمل هذه النعم في طاعة الله، ولا نبطر نعمة الله أو نتكبر أو نستعمل هذه النعم في معصية الله، وفي الإسراف والتبذير والبذخ وغير ذلك، لأن الإنسان لا يدري هل يعيش بعد يومه هذا أو لا،لكن عنده ما يؤمّن يومه الذي هو فيه، واليوم الثاني والثالث يأتي الله بأرزاقها ولا ينسى عباده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)، فهذه النعم متوفرةٌ عندنا الآن ولله الحمد، عندنا الأمن، وعندنا الرزق متوفر وعندنا أيضًا العافية في الأبدان، من الأمراض المزعجة والمقلقة، هذه نعمٌ عظيمة، الدنيا كلها تنبني على هذه الأمور .
وهنا يجب أن نحذر من شيء قد يكون غائبا عن أذهاننا جميعا وهو _إِلْفُ النعمة_، وسآخذك أيها القارئ الكريم لتتعرف على هذا الموضوع المخيف
ولعلك لو نظرت في أول آية من سورة قريش سترى مشكلة حياتية وهي ( إِلْفُ النعمة ) ..أي تنسى شكر الله على نعمه،
يقول الله لنا لإيلاف قريش واعتيادهم على استقامة مصالحهم ورحلتيهم بالشتاء والصيف دون النظر لواهب هذه النعم ومديمها !
فقد كان أهل قريش معتادين على الفقر والجوع والحياة البدائية البسيطة..
لدرجة انهم عندما يصل أحدهم لشدة الفقر كان يأخد أهل بيته لمكان يسمى بالخباء يمكثوا فيه حتى يموتوا من الجوع كلهم ..
والعادة هذه في الجاهلية كان اسمها الاعتفار ..
وكانت هناك عائلة كبيرة اسمها بني مخزوم كانوا كلهم سيموتون من الجوع الشديد ، وعندما وصل خبرهم لهاشم بن عبد مناف أحد كبار التجار .. استاء من وجود هذا الجهل والفقر في أهل البيت الحرام ،
فجاء هاشم بن عبد مناف وغير هذه العادة ..
وقال لهم أنتم أحدثتم عادة تُذَلون بها بين العرب وأنتم أهل بيت الله والناس لكم تبع ..
فقسم القبيلة لعشائر ،
وأمر كل غني منهم بتقسيم ماله مع الفقراء من عشيرته حتى أصبح الفقير مثل الغني ..
وعلمهم أصول التجارة ،
ونظم لهم رحلتين في العام ، رحلة للشام ورحلة لليمن ..
في الشام علمهم تجارة الفواكه في الصيف …
وفي اليمن علمهم تجارة المحصولات الزراعية في الشتاء ، حتى جاء خير الشام وخير اليمن لمكة وأصبح سكان مكة في حال أفضل وانتهت ظاهرة الاعتفار ..
بدأ أهل قريش يكفروا بالنعمة بعدم شكر الله عليها..
كفران النعم هو أن تألفها فلا تراها نعمة ..
فلما ألفت قريش النعم التي أنزلها الله عليهم ..
أنزل الله فيهم الأمر الإلهي بأن يعبدوا رب هذا البيت …
(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
نعم الله على الناس عموماً لا تحصى ، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الواحدة التي هي نعمة ظاهرة وهي دوام النعمة ..
وهي إطعامهم بعد الجوع ، وتأمينهم بعد اعتيادهم العيش في رعب وخوف من الموت … ( أطعمهم من جوع * وآمنهم من خوف )
ومن هنا أنصحك أيها القارئ الكريم أن لا تألف فتجحد ، لكن اشكر الله تألفك نِعمته ….
افرح بنعمة الله عليك واشكرها حتى لو تكررت ألف مرة ، لأن مجرد دوام النعمة نعمة ، وإلف النعمة وعدم شكرها جحود وظلم ..
ولتكن كلمة ” الحمدلله ” على لسانك في كل وقت ، قلها بقلبك عن رضا واقتناع لما فيها من أجر عظيم .
فالحمدلله دائمًا وأبدًا على القليل قبل الكثير وعلى المنع قبل العطاء وفي المحنة قبل المنحه وفي العسر قبل اليسر وفي الضراء قبل السراء.