د. هانى حسين يكتب: الفوضى الإلكترونية الغير خلاقة
لعل أبلغ سمة بمكن أن يتسم بها هذا القرن متمايزا بها عما سبقه من القرون هى وسائل الإتصال و التواصل عبر شبكات الفضاءات الإلكترونيه الفسيحه وهى سمة قدر أهميتها و كونها تطورا مذهلا فى مسيرة البشرية يسرت و لا شك سبل إتصال البشر بعضهم ببعض بشكل كبير بما انعكس إيجابا على اّليات ونظم التعلم والتحكم وتداول البيانات و المعلومات وهو خيال لم يكن ليتصوره أحد لا أقول ممن عاصر الإتصال عبر الحمام الزاجل بل ممن عاصر حتى وقت قريب المراسلات البريدية، ولعلى أذكر أن حكى لى والدى رحمة الله عليه ذات مرة كيف أنه بعث برسالة بريديه (جواب) فى ثمانينات القرن المنقضى إلى أخيه، فإذا هو من إستلمها حين ذهب إلى زيارته بعد عدة أشهر.
الشاهد أن الخطوة التى خطتها البشرية فى سبيل هذا الأمر هى ولا ريب قفزة هائله..إذ بات الصبى الغر عبر هاتفه الخلوى أو جهازه اللوحى يقلب بأنامله الرقيقة صفحات يقلب معها جوانب العالم شرقا و غربا….ولكن على قدر الإختيال البشرى بهذة الطفرة المدهشه فى سبيل التطور تكمن هنالك مسالب تفوق التصور والخيال ولعل أبرزها على سبيل المثال لا الحصر إنحسار الثقافات العميقه لحساب الثفافات الضحلة المائعة، وفيما صارت عقول الكثيرين مرتعا للمعرفة الرخوة أحيانا و نهبة للإشاعات والتضليل أحيانا، إنزوت القراءة الورقية والمعارف المدققة المتأنيه إلى ركن ركين إنزواء القط المرتعش فى ليلة شتاء باردة، وانفجر سعار محموم تجاه تناقل المنشورات و المعلومات دون الإكتراث بدقتها أو صدقها وترويج الزيف و الإشاعات خلالها و التشهير والتغرير و الإبتزاز أحيانا فى ظل غياب من الوعى و المسئولية و الضمير وحرمة الإقدام عى هذا الأمر عند الخالق البارىء الذى يسر للبشرية قدرا يسيرا من علم الأشياء حدا بالبشر إلى بلوغ ما بلغوا كطائر النار إذ يطير على غير هدى بين أجران القطن مشعلا ألسنة اللهب دون أن يدرى كنه ما يصنع و كما يقول الأديب الإنجليزى جوزيف كونراد ” لا أحد يدعى حب النميمة و مع هذا يستمتع الجميع بها”.
وفى تقديرى أنه إن كانت مركزية القوة فى أى دولة هى حتمية لإستمرار و إستقرار هذه الدولة.. بمعنى أن وجود قوة كميليشيا عسكريه أو ما شابه موازية لجيش الدوله هو أمر بالغ الخطوره ولا شك على وجود تلك الدولة فإنى أرى قطعان الإعلام الموازى عبر الفضاءات الإلكترونية أمر هو الأخر لا يقل خطورة.
وفى خضم هذه الفوضى الإلكترونيه العارمة و حالة السفور المخجل لكل شيىء حتى البيانات الشخصيه تجد من لا يتوارون خجلا لإقتراف أفعال و سلوك يندى له جبين ذو الحياء و الغاية من وراء ذلك هى “ركوب الترند” من خلال ” اللايكات و الشير” للتربح أو للشهرة أو نحو ذلك.
فهذا يجوب شوارع رأس البر عاريا إلا من ملابس داخليه..و اّخر يدعى إصابته بمرض عضال فى فيديو يظهر فيه مستحثا الدعاء و الشفقه… و هنالك بالنادى الشهير من صنعت حلوى على شكل خادش للحياء لتقديمها فى عيد ميلاد صديقتها … إصنع شيئا مختلفا و صادما حتى و لو كان شائنا لا يهم الأهم أن يشد الإنتباه فيتداوله الناس تداول المواء فى القطيع بلا حياء أو خجل.
فهذا و هذه قد غرهم عدم إلتفات الناس إلى الكلام الجاد أو الموضوع الهادفقدر إلتفاتهم إلى السخافات والتفاهات و الإبتذال وهو أمر درج عليه كثير من البشر منذ عهود عهيدة….الرشد و حسن التعامل مع معطيات العصر و هبات الخالق كانت وستظل التحدى الأعظم الذى واجه و يواجه البشريه.