أخبار مصر

الأب يتوسط أبواب الجنــــة

الأب يتوسط أبواب الجنــــة
بقلم د / محمد بغدادي

يا رسول الله أيتخاصم الرجل مع والداه قال ولا مع نعليهما، يا رسول الله من لا يدخل الجنة قال: لا يدخل الجنة عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مُدمن خمر.
يا لها من كلمات تهز القلب وجعًا وأنينًا وبكاءًا قاسيًا وتحمل رسائل وأطروحات ومعاني شديدة اللهجة في ظل عالمًا يموج بالعقوق ليلاً ونهاراً ، فلقد قام الإبن بضرب الأب على وجهه وبعد مرور أكثر من عشرون عامًا وبعد زواج الإبن وكان لديه من الأولاد أربعة وفي مشادة كلامية غير متوقعة قام الإبن الأصغر بضرب والده في الجهة اليمنى من وجهه كما فٌعل في السابق فكما تدين تدان. وجاء رجل لأحد الصالحين يشكو والده فبكى الرجل الصالح حتى فارق الحياة. وأخر ترك والده المريض طريح الفراش حتى وافته المنيه دون تقديم يد العون له في شدته بعدما كان من كبار الأعيان فاستيقظ الابن بعد عشر سنوات على صوت أحد أولاده وهو يهمس في صوت غير مسموع قائلاً لإخوته: يجب أن نحمل أبانا هذا ونٌلقي به في الصحراء بعيدًا بعدما صار الدود يلهث في جسده.
وفي أحد الأيام ذهب الرجل مع والده إلى صحراء فترك الأبن والده، وأخذ يتجول في الصحراء الجرداء يبحث عن آله ليقتل بها والده وفطن الأب لما ينوي أبنه على القيام به فطلب منه الأب أن يأخذه إلى صخرة تقع بالقرب منهم. فتعجب الأبن من طلب الأب ولكنه أخذه هناك وعندما وصلا للصخرة أخبر الأب أبنه عن نيته فتعجب الأبن وسأل كيف عرف والده ذلك. وهنا كانت الفاجعة عندما بدأ الأب في البكاء وكان رد الأب أنه قام بنفسه فعل ذلك الأمر مع والده عند نفس الصخرة وبنفس الطريقة، لكي يحصل على أمواله وظل الأب يٌردد كما تدين تٌدان ولو لم أفعل ذلك في والدي لما فعلته أنت واستمر في ترديد تلك الكلمة إلى أن قتله أبنه.
ورأي عمر بن عبد العزيز أحد أبنائه في يوم عيد، وعليه ثوب قديم بال فدمعت عيناه، فرآه ولده فقال له : ما يبكيك يا أمير المؤمين ؟ قال : يا بني أخشى أن ينكسر قلبك إذا رآك الصبيان بهذا الثوب الخلق فقال له ابنه :يا أمير المؤمنين إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه، أو عق أمه وأباه، وإني لأرجو أن يكون الله تعالى راضيا عني برضاك. وفي إحدى الليالي ذات الشتاء القارص وقف ومعه إناء اللبن حتى يستيقظ والده ليأكلا ويشربا ولا يريد أن يوقظهما وأولاده يكادوا يموتوا جوعًا لكنه أبى أن يشربوا من اللبن حتى يستيقظ والده ويشرب. وقد ورد في فضل الأب وعظيم حقه العديد من الأحاديث النبوية، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ” لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه” ويقول النووي في شرحه للحديث: ” أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه إلا أن يعتقه “. وما أجمل من سيدنا إبراهيم الخليل حينما خاطب أباه وكان كافرًا ويعبد الأصنام، قائلاً له : يا أبتي بكل حب وعرفان.
فالأب يا سادة ليس له يوم عيد كالأم لعظم دوره في أنه يحمل أولاده على كتفه حتى يفارق الحياة. الأب لا نعرف قيمته إلا حينما نحمله لمثواه الأخير. الأب هو اللغز الذي لا تستطيع حله إلا حينما تنظر لعيناه لتجد فيهما الرحمه والأٌلفه والمحبه وسعادة فرحتك و أنين حزنك. الأب هو الشخص الذي لا يساوي رقم فكل الأرقام حجمها ضعيف وتساوي صفرًا أمام قدراته وقوته وعظيم صنعه. الأب هو السيناريو الذي لم يٌكتب . الأب هو الرحلة الشاقة التي لا يستطيع أحد أن يٌكملها بدونه. الأب هو أنت ومالك ملكًا له . الأب هو الدفئ في عذاب الشتاء وهو رائحة الندى الرقيقة في ليالي الصيف الهادئه الممتعة. الأب هو الكلمات التي تخرج من القلب الصافي الصادق مع شخص تٌحبه وتثق فيه كثقتك في نفسك.