عادل حافظ يكتب: الديمقراطية الأمريكية.. دراما الإثارة والتشويق
في فجر يوم الثلاثاء الموافق 24 نوفمبر 2020 بتوقيت القاهرة، أعلنت وسائل الإعلام الامريكية عن أن “إيملي ميرفي” مديرة إدارة الخدمات العامة الأمريكية ـ التي كانت ترفض البدء بعملية تسليم السلطة ـ قد أرسلت خطابا إلى الرئيس المنتخب “جو بايدن” تعلمة بأنه أصبح في إمكان فريقه من المستشارين البدء في إجراءات تسليم السلطة، مع توفير الميزانية اللازمة لذلك في خطوة تعد متأخرة نحو 16 يومًا.
فمَن ذا الذى لا يحب الدراما الأمريكية بكل أنواعها كوميديا ـ أكشن ـ مغامرات ـ خيال علمي ..الخ؟ لكن أن تتأثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتلك الدراما، هذا ما لم يكن يتخيله أحد. قدمت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 نموذجًا لدراما التشويق منذ بدايتها حتى يوم حلف اليمين الرئاسي في 20 يناير من عام 2017. كان قد تنافس الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مرشح الحزب الجمهوري ومرشحة الحزب الديمقراطي ـ في ذلك الوقت ـ “هيلاري كلينتون”، والتي كانت تمثل أول امرأة تخوض الانتخابات النهائية.
ورغم فوزها بعدد الأصوات العامة، فإنها لم تحصل على القدر الكافي من أصوات المجمع الانتخابي لتكون رئيسة أمريكا. وفي عشية النتائج الأولية للانتخابات أطلت “هيلاري” على مؤيديها ووجهت التهنئة للرئيس “ترامب” وتمنت له كل التوفيق ودعت لوحدة الصف الداخلي الأمريكي.
وتمر الأيام سريعًا لتنقضي ثلاث سنوات ونصف السنة على الولاية الأولى للرئيس “ترامب”، ليخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2020 آملًا في الفوز بولاية ثانية أمام مرشح الحزب الديمقراطي “جو بايدن” ونائبته “كامالا هاريس” ـ هي أول امرأة ترشح لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من ذوى البشرة السمراء من أصول اسيوية، لأن والدتها من “الهند”، وعلى ما يبدو، فإن الانتخابات الأمريكية 2020 لم تكتف بالتشويق فقط، ولكنها كانت ولا تزال بها بعض الأكشن والكوميديا والخيال بجانب الدراما في بعض مشاهدها. فهي جاءت في ظل عام استثنائي يخوض فيه العالم حربًا شرسة ضد جائحة كورونا.
تعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية من النظم الانتخابية ذات الطابع الخاص. ففي أول “ثلاثاء” من شهر “نوفمبر” من العام الانتخابي يتوجه الناخب الأمريكي إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس الأمريكي القادم وجزء من أعضاء مجلس الشيوخ (السنت) ومجلس النواب (الكونجرس) وبعض حكام الولايات في اختيار حر يطلق علية “الأصوات العامة”، وفي بعض الأحيان يقوم الناخب بالتصويت على بعض التعديلات في الإجراءات أو القوانين الخاصة بإحدى الولاية كل فيما يخصه.
أما المجمع الانتخابي، فيطلق على مجموعة من كبار الناخبين بكل ولاية من الولايات الخمسين، ويختلف عدد الأعضاء من ولاية إلى أخرى. وجرت العادة على أن هناك ولايات يطلق عليها “ولايات الحسم” من يفوز بأغلب تلك الولايات ويحصل على أصوات المجمع الانتخابي الخاص بها يفوز بالبيت الأبيض. وهذه الولايات هي “أريزونا (11 صوتًا بالمجمع الانتخابي) ـ “فلوريدا (29 صوتًا) ـ “جورجيا” (16 صوتًا) ـ “ميتشجان” (16 صوتًا) ـ “مينيسوتا” (10 أصوات) ـ “نيفادا” (10 أصوات) ـ “نيو هامبشاير” (4 أصوات) ـ “كارولينا الشمالية” (15 صوتًا) ـ “أوهايو” (18 صوتًا) ـ “بنسلفانيا” (20 صوتًا) ـ تكساس (38 صوتًا) ـ “ويسكونسن” (10 أصوات).
لكن الانتخابات هذا العام جاءت في ظروف استثنائية في ظل جائحة كورونا، ما دفع حملة الرئيس المنتخب “بايدن” إلى دعوة الناخبين للتصويت عن طريق البريد أوعن طريق التصويت المبكر في بعض الولايات، وبالفعل صوت أغلب الناخبين الديمقراطيين بكلتا الطريقتين. في حين شكك الرئيس “ترامب” وحملته في أن هذا النظام فاسد ويمكن أن يحدث تدخلات خارجية، وأنه يسهل التزوير الانتخابي.
ويبدو أن الجمهوريين تناسوا انه النظام نفسه الذي تم استخدامه في انتخابات 2016 التي جاءت بهم، ولكن كانت نسبة المشاركة اقل، ما أدى إلى تركيز الكتلة الأكبر من مؤيدي الرئيس “ترامب” على إجراء عملية التصويت في يوم الثلاثاء الموافق 3 نوفمبر. وهذا ما أربك الموقف بالأخص في الولايات التي شهدت فرزا لأصوات ناخبين ادلو بأصواتهم يوم 3 نوفمبر أولا، ومن ثم الأصوات التي جاءت بالبريد، ما أدى إلى تفسير الأرقام الأولية بطريقة خاطئة، فأظهرت تقدم “ترامب” بفارق كبير، ولكن مع فرز أصوات البريد ضيق “بايدن” الفارق وحوّله إلى تقدم.
أعداد الناخبين هذه المرة تجاوزت 150 مليون ناخب، في حصيلة تاريخية لم تحدث في الانتخابات الأمريكية منذ بدايتها عام 1789، وقد حصل الرئيس المنتخب “بايدن” ونائبته “هاريس” على أصوات نحو 79 مليون ناخب وبشكل غير رسمي على 306 أصوات في المجمع الانتخابي من أصل 538 صوتًا بنسبة 51.1% ـ المرشح يحتاج إلى 270 صوتًا للفوز ـ الذي سيجتمع في منتصف شهر ديسمبر المقبل.
وجرت العادة أن وسائل الإعلام داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تتابع النتائج الأولية في كل ولاية وتجرى بعض الحسابات عن طريق نماذج إحصائية معقدة، وتتم مقارنة النتائج لعدد من السنوات السابقة ومن ثم، يتم إعلان الفائز المتوقع بالولاية، وبالتالي الفائز المتوقع بالبيت الابيض. كما يتم ذلك الأمر داخل كل حملة انتخابيه للمرشحين، وبعد التأكد من الأرقام، جرت العادة أن يلقي كل مرشح كلمة لمؤيديه، إما للاحتفال بالنصر وإما للاعتراف بالهزيمة. وهذا ما لم يتم من الرئيس “ترامب” حتى الآن.
ثم، تبدأ المؤسسات المختلفة في الإدارة القائمة بإجراءات تسليم السلطة. ولكن هذا الأمر لم يحدث هذا العام، ورفض الرئيس وحملته النتائج، ووجهوا اتهامات للديمقراطيين بتزوير الانتخابات، وأن هناك تجاوزات لم تحدث من قبل، كما لمّح محامو “ترامب” إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الأموات قاموا بالتصويت، وشككوا في الأنظمة الإلكترونية وقالوا إنها مصممة كي يخسر “ترامب”، وكذلك تحدثوا عن سوء عملية المراقبة من قبل مندوبي الحزب الجمهوري والتعسف معهم، وبالفعل تم رفع عدد من الدعاوي اما محاكم فيدرالية في ولايات “ميتشجان” و”جورجيا” و”بنسلفانيا” و”نيفادا” وغيرها، وتم رفض أغلب تلك الدعاوى لعدم تقديم الأدلة اللازمة لدعم الاتهامات. وفي مسلسل مستمر منذ بداية رئاسة “دونالد ترامب”، تم توجيه اتهامات لوسائل الإعلام التي لا تؤيد “ترامب” بالفساد ونشر أخبار كاذبة.
وفي النهاية سوف تظل العملية الانتخابية الأمريكية ومعرفة من سوف يسكن البيت الأبيض مسار اهتمام شعوب العالم، كما أنها أكثر العمليات الانتخابية إثارة في عالم الديمقراطية. ومما لا شك فيه أننا في انتظار معرفة التشكيل النهائي الكامل لإدارة الرئيس المنتخب “جو بايدن” وكيفية تعامله مع جائحة كورونا وسياساته الداخلية والخارجية. وتبقى الحقيقة المؤكدة أن ساكن البيت الأبيض سوف يعمل لمصلحة بلاده فقط، وسوف يأتي الحلفاء بعد مصلحة أمريكا.