سلايدرفنون

شاهندة محمد على تكتب: الصندوق الأسود .. وضيق الجسد

يتحدد الشعور بساعة الميلاد بشكل نسبي لكل شخص على حدة، فهى متعددة الرؤى، فيصنفها أحدهم بالسعادة والحب أو يصنفها بالكبر والحزن ؛ والكثير لا تعنى له هذه المناسبة سوى أنها مجرد تاريخ على ورق. ولكن من الممكن أيضاً أن تصبح تلك الساعة التى نحتفل بها كإنهاء سنة ماضية تكون أيضاً انتهاء لأشياء أخرى من الممكن أن تكون يوماً أو عمراً أو ربما شخصاً.
فلا تبدو الأشياء كما تظهر أحياناً، ففى ليلة مشؤومة بسبب لصين من المفترض أن يكونا هما سبب البلاء؛ ولكن يحدث العكس. تتكشف الحقائق ، فعن طريقهما تكتشف الزوجة ” منى ذكى ” الكثير من الامور عن زوجها المحامى الشهير ” شريف سلامة ” داخل الصندوق الأسود ذلك المكان الذى نكتشف أنه غرفة مجهزة بطريقة حديثة. وبداخل هذا الصندوق الكبير نرى كل الحقائق فمن خلال تلك الغرفة تتمكن الزوجة التعرف على حقيقة زوجها ..
ويحمل عنصر المكان “هنا” وهو “الغرفة ” دلالتان يوظفهم المخرج فى زمنين مختلفين، الدلالة الأولى: تستخدم كمكان تستطيع التمركز فيه بعيدأ عن هذين اللصين هرباً منهما، وكزمن حاضر تستخدمه كملجأ آمن مؤقت؛ والدلالة الثانية: يستخدم كمكان مرحلى تستطيع من خلالة أن تعرف ما تخططة للمستقبل فيصبح مكان للتكشف. أى منطقة الأمان المستقبلية التى يتحدد من خلالها اكتشاف الكثير من الحقائق التى ترتبط بالماضى الذى تحدد البطلة عليه مستقبلها.
يُظهر لنا المخرج بداية من المشهد الاول امرأة تعانى من مشاكل في الحمل، فهى تنتظر مولودها منذ أربع سنوات، ويظهر لنا الطبيب المعالج خطورة بعض الأشياء التى تضعف إتمام حملها بطريقة طبيعية، ومنها تناول القهوة التى نصحها بعدم تناولها، ولكننا نجدها فى المشهد التالى تذهب لأحد (الكافيهات) لتتناولها؛ ولكن هذا لسبب ما يقصده الكاتب فى الخط الدرامى ندركه بعد ذلك؛ بأن ذهابها لتناول القهوة جزء من سمات شخصيتها. فهى امرأة مخاطرة وجريئة أيضاً؛ ومن هنا يعرفنا ويمهد لنا من تكون البطلة التى تتسم بالقوة وعدم الاستسلام حتى وهى فى آخر مراحل حملها منتظرة جنينها ” زين ”. فهى تتعرض للصين يصلان لفيلاتها بعد رحلة يوم طويل مليء بالتفاصيل؛ يجعلنا المخرج نعيشه معها في النصف الأول من اليوم، من بداية زيارة طبيبها وتناولها القهوة فى مكانها المفضل وزيارة صديقتها أحتفالأ بيوم ميلادها الذى يتحول إلى يوم عصيب تواجه فيه نفسها، وأيضاً تتعرف حقيقة زوجها، وينتهى النصف الأول من اليوم براحة مؤقته للبطلة وللمشاهدين من خلال دخولها لتأخد حمامها الدافيء كاستعداداً للراحة والنوم.
..ولكن يتضح العكس فهو استعداد لدخول معركة وصراع خارجى وداخلى، وبعد أن خلدت للنوم ينبهها كلابها لحدوث لشىء ما، فمن هنا ببدأ الجزء الثانى من اليوم بدراما أخرى من خلال دخول اللصين. أحدهما محامى ” مصطفى خاطر ” والآخر ” محمد فراج ” الذى نرى تاريخ شخصيته يتلخص فى وجهه الذى يحمل ندوبًا لحروق قديمة، فهوسريع الغضب متهور، يعانى من مشاكل نفسيه بسبب ذلك التشوه؛ معبراً عن ذلك من خلال مشهد قد مهد له المخرج؛ عن طريق نظرة للمرآه التى تُذَكره بماضيه المؤلم. فمن خلال تلك النظرة أمام المرآة، نراه يتحول بعدها من شخصية إلى أخرى، تجعلنا نتعاطف معه لعدة لحظات، وهو معلن عن سبب تشوهه وهو ثمل؛ للزوجة وهى مكبلة اليدين، ولكن سريعاً ما يتحول التعاطف إلى غضب لأننا نفهم بأنه يريد إقامة علاقة معها .
أما الشخصية الأخرى ” مصطفى خاطر ” الذى ابتعد عن الحس الكوميدي من خلال شخصية المحامى البسيط، الذي تورط في ذلك الأمر، فهو يعاني تهديدً من آخرين. مما يجعله متورطًا فى دخوله الفيلا خوفاً على حياة ولده وأسرته، فهو على النقيض من اللص الآخر، نراه هاديء، دائم الاعتراض على طريقه زميله، فهو لا يريد شىء إلا أخذ ملف ما، ويستخدم ” فراج ” في ذلك الأمر .
أما عن شخصية الزوج ” شريف سلامة ” الذى لم نره إلا فى مشهد واحد فقط وهو مشهد النهاية ، وباقى مشاهده من خلال شاشة الهاتف الجوال، فيصبح بالنسبة لنا كاللغز، ولكن المخرج والمؤلف قد أسسا لظهوره من البداية بأنه شخصية رمادية اللون، بطريقة تشبه السينما الأمريكية فى الحديث عن البطل. فتسرد الأحداث بناءاً على ذلك البطل الغائب عم الشاشة والحاضر فى الاحداث، فمن خلال البحث عنه تكتشف باقى الشخصيات وصراعها وسماتها، ثم يظهرفى النهاية ذلك البطل للمشاهدين، اللذين لم يعودواا في حاجة لانتظاره، لأن كل الحقائق أصبحت واضحة .
وحتى شخصية الأب والد الزوجة يجعلنا المخرج نسمع صوته فقط فى مكالمة هاتفية ونراه فى لقطة (shoot) فى نهاية الفيلم جالساً بجانب ابنته، ولم يكن متداخلًا في الأحداث، فالهدف الرئيس من وجوده كشخصية فى خط دراما الفيلم ؛ أنه سيساعد بطريقة ما في دخول اللصين إلى الفيللا .

وتطبيقاً لاستخدام المدرسة النفسية، فقد استخدم المخرج الكثير من اللقطات الضيقة (Extreme Close Up)، من بداية الفيلم التى تؤهلنا لكتم الأنفاس. في تصوير معاناه البطلة التى تلتقط أنفاسها بصعوبة. مما يؤكد لنا بأننا أمام مخرج واع، قد قصد من البداية أن يجعلنا أن نشعر بالضيق النفسى والتوتر من خلال ضيق المسافات وضيق الأجساد كتمهيد لما سيحدث ؛ وهى طريقة تشبه التكنيك الأمريكى أيضاً من خلال التهيىء النفسى للدخول مع البطلة فى حالتها، بل والتوحد معها خاصة فى النصف الثانى من زمن الفيلم بوجودها فى الغرفة السوداء ذات المساحات الضيقة وصعوبة التنفس، التى يرمز لها بالصندوق الأسود الكبير الجحم والمليء بالصناديق السوداء الصغيرة ؛ فعند دخول الزوجة الغرفة قد تحولت هذه المنطقة من الدراما الى مايشبه المونودراما ، ومن شروط المونودراما أن اللقطات الفردية للممثل لا تمثل صراع على مستوى الصورة وأنما على مستوى الدراما أيضاً ، فأصبحت الغرفة فضاء آمن يبتعد عن الصراع للحظات، وكان هذا الفضاء الداخلى فى حاجة ماسة للجمل الحوارية حتى تكمل الصورة والمعاناه كما كانت البطلة تمارسها فى شكل المونولوج الداخلى مع جنينها فكانت فى حاجة أن تمارس أيضاً لحظات الصراع والخوف والمواجهه مع جنينها ؛ ذلك بالتزامن مع مشاهدتها أيضاً للأحداث التى تحدث خارج الغرفة من خلال الكاميرات الموصولة بجهاز الكمبيوتر فهو أسلوب حكى ممتاز، وظفه المخرج ” محمود كامل ” جيدأ مستخدماً الحالة النفسية التي تثير في نفوسنا ما يشبه الاختناق، من خلال الخوف المتولد من المكان الضيق وحتى مساحة الجسد وعلاقته بالفضاء المكانى الذى يضيق أكثر فأكثر من الداخل للخارج عن طريق الصراعات المختلفة مستخدماً مساحة الغرفة الضيقة .

فباختزال السيناريو فى استخدام الأماكن وفى ظهور الشخصيات ، واستخدام التهييء النفسى للمشاركة مع الأبطال، في هذه الحالة فتشعر وكأننا أمام فيلم أمريكى، مؤكدا بذلك المخرج من خلال ظهور الزوجة التى نراها داخل عربة الإسعاف بزاوية من أعلى تجعلك أمام أسلوب واضح لتكنيك فيلم أمريكى اعتدنا على رؤيته في المشاهد الختامية في تلك الأفلام، ولكن بعد تلك النهاية حدث في دراما الفيلم ما يسمى بـ anti-climax” ” بوجود نهاية أخرى،فإذ باللص الآخر “المحامي” قد ركب دراجة بخاية كالتي كان يستقلها زميله اللص الأصيل، مما يحدوا بنا إلى الانتقال إلى رؤية تقول ” أن الادوار تتكرر وأن النور والامل ضئيلان فى مثل ذلك العالم الذى نعيشه والظلام هو المستقبل الحالك الذى يستمر، ولكننا نستطيع أن نقول أننا أمام مخرج عبر عن فكرته بصورة سينمائية واعية ، وبممثلين جيدين خاصة ” محمد فراج ”.