سلايدرفنون

شاهندة محمد على تكتب: ديجافو.. الجريمة غير الكاملة

موقع حزب الكنبة من الدراما.. جريمة شرف يتهم فيها أدم

 

 

كلنا مشاركون فكلنا نعرف ولا نغير؛ ولكن أين هى الحقيقة فأصبحت شىء مجهول بل أصبح الشك هو سمة العصر وسمة العرض أيضاً. ففى أثناء رحلة البحث عن الحقيقة أى البحث عن أدم أى البحث عن بنى الإنسان عامة، تأتى هذه الرؤية المسرحية ؛ متجسده  فى بطل ليس له إسم ولكن إكتفى المخرج بمعرفتنا بأنه شخصية صاحب المنزل الذى يتوالى عليه باقى أبطال العمل، فهم أيضا بلا أسماء فى زمن غير محدد. بغرض البحث عن صديقه ” آدم ” ولكننا نكتشف فى النهاية المفاجأة.

جريمة شرف يتهم فيها أدم و يتورط فيه صديقه وسط حالة شك في الجميع وبين الجميع في محاولة اكتشاف الحقيقة . فنجد (بناء العرض) اعتمد على الديكور الثابت الذى لم يتغير  one location  طوال أحداث المسرحية، وهو شقة صاحب المنزل؛ فنجد أستخدام المخرج لفواصل المشاهد التى تحمل أكثر من أستخدام، فنجد اللوحات المتتالية التى تفصلها (Black out) قد جعلها المخرج داخل نسيج الدراما بحيلة الانقطاع المتتالي للتيار الكهربائي، وأيضا تفصلنا نحن كجمهور وتفصل شخصية صاحب المنزل – نفسه صديق أدم – عن واقعه، وتجعله في حالة شك ؛ وبحث.

فحيلة انقطاع التيار الكهربائى تلك الحيلة الذكية التى تحمل دلالات عديدة والتى تم استخدام توظيفها بشكل مناسب للربط بين الأحداث وأستخدمها كسبب رئيسى للشك فى معرفة الحقيقة والبحث عنها ؛وأيضاً تحمل دلالة نفسية أخرى، فإنها تدخلنا إلى عوالم الظلام فى عقولنا، فنقوم بدورنا  بمحاولة فصل الكهرباء، أى الانفصال عن الأحداث، ومراقبة الصراعات من الخارج.

فنغلق سطور كل ما تعلمناه قليلأ من المعرفة لإعادة الاكتشاف والرؤية الصحيحة مرة أخرى ونحن فى عالمنا مثلما حدث لشخصية صاحب المنزل حتى وهو فى مكانه أى فى منزله ذا الصبغة العصرية،  الذي يشكله أثاث معاصر بسيط. يحتوي على بار مليء بزجاجات من الخمر وماكينة نسكافية فى الجانب الأيسر،  أما الجانب الأيمن  فنرى باب المنزل. ويتوسط المنزل أريكة  (كنبة) عصرية، في منطقة مركزية من الخشبة، سوف تصبح هى محور الأحداث؛ وظهرت كعلامة  متعددة الدلالات تخطت دلالتها المباشرة كمجرد قطعة أثاث، أنها موقع حزب الكنبة من الدراما ذلك الجانب الذى يكتفى بالصمت،  فأصحاب هذا الحزب هم  رافعي  شعار(حكمة القرود) لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم، يكتفى فقط بالمعرفة ، بل هم  حتى لا يجتهدون في البحث عن تلك المعرفة فهم يكتفون بمعرفتها صدفة؛ فهم بل (نحن) ذلك الجانب السلبى  الجالس الذى  يشاهد  فقط ؛ ونرى على الجانب الأيمن  من الكنبة الأباجورة المعاصرة ذات الإضاءة الخافتة الموازية للحالة النفسية المتضاربة لشخصية  صاحب المنزل، والذي عززها الإضاءة الجانبية الزرقاء؛ و أما عن يسار الكنبة نرى جهاز الراديو الذى نسمعه ونرى من خلال تعبيرات وجه شخصية  صاحب المنزل  الدلالات الواضحة بأن كل العالم أصبح ملوث وكل الأخبار تشبه بعضها، فى كل دول العالم؛ فيقوم شخصية  صاحب المنزل بإغلاقه  وامساكه بكتاب ما وكأنه يقرأ، وربما قد فتح ذلك بابًا للتأويل بأننا ربما سنشاهد اللوحات التالية ما قرئه في الكتاب الممسك به.

حوت المشاهد مفارقات طبقية؛ من خلال أربع شخصيات لأزواج؛ فنرى رجل وزوجته  من طبقة ثرية  بلا مبادئ؛ ويشابههم  الزوج الآخرالذي ينتمى الى طبقة مهمشة تفتقر بدورها  للمبادئ.

وخلال البحث عن الحقيقة عن طريق الشك الذى تسرب الينا كمشاهدين من اتهام أدم يفكك لنا المخرج/الدراماتورج الحالة الاجتماعية السائدة ؛ من خلال وضع اليد  على سلبيات المجتمع في عرض سريع  لأحد القضايا السريعة فى جمل الحوار البسيطة على لسان شخصية صاحب المنزل مثل قانون الإيجارات، وطرد المستأجر، وطرد الملاك نفسهم، تسريح الموظفين، صراع الطبقات، الصراع على السلطة، زواج المصلحة، أزمة المثقفين، الخيانة الزوجية، الفقر، السلبية، بيع الضمائروتضليل العقول.

لعبت وسيقى العرض التي  أعدها ( محمد عبدلله )  التى تبدأ فعليًا قبل بداية العرض اى مع دخول الجمهور  كنوع من  التهيىء النفسى لإشراك الجمهور اللعبة المسرحية فقد أسهمت الموسيقى بنصيب وافر في  التقديم للحالة الدرامية، فأرتباط عنصر الموسيقى كعنصر صوتى أساسى يجاور السينوغرافيا   التي كونتها  الإضاءة الخافتة مع حركة الممثلين القلقة قد أسس للجو النفسى الذى يغلف العرض بكامله، الذي يقوم عليه الصراع .

أما عن شخصية صاحب المنزل ( تامر نبيل )  الذى رسمها المخرج بمهارة، توصيلها  وأسس لها من خلال أول ظهور لها على الخشبة، مارًا أمامنا خارجًا من حمام منزله، مستيقظأ  من نومه  واضعأ منشفة على رأسه  كى يبدأ يومه معنا، في حركة متوترة، فاستغنى عن الحوار مستخدمًا جسد الممثل في التعبير عن تلك الحالة، دون كلام أو عبارات على لسان شخصيات أخرى؛ مما يؤكد لنا أننا أمام مخرج يملك أدواته جيدا ويعبرعن فكرته من خلال الصورة؛ ملقياً الضوء على قضيته مختزل  العديد من التفاصيل الكثيرة. من خلال التلويح بخطرالمقنعين الذين يتردد ذكرهم فى بداية العرض ، فمن هم هؤلاء المقنعين الذي لا نعرفهم ؟ فيبقى السؤال من هم هؤلاء المقنعون؟ ربما هم ما بداخلنا من خوف ، أم من ؟؟! . ونجح الممثل فى توصيل تلك الحالة .

 

فيظهر توظيف المخرج للشخصيات توظيفا جيدا،  فكل فى موضعه مستخدمأ عنصر الطبقية فى الحالة التمثيلية الواضحة فى  الفوارق الطبقية  لزوجين ينتمون للطبقة البسيطة التى تتميز بالبساطة والعفوية والفكاهه .  وقد نجح الممثلين فى ذلك فنجد الكوميديا نابعة من روح  الموقف و اللفظ  والجسد وعن طريق  الممثلين ، فنجد  الزوجة ( رحمة أحمد )  التى تجمع بين خفة الدم وبساطة الحركة و بساطة الشكل المرتدية ملابس بسيطة وحاملة الحقيبة  التى  دائما ما  تتجول بها داخل المشاهد المليئة بأدوات الطهى فهى تشبه المرأة المصرية الشعبية ولكن دون أداء  مفتعل، و التى تلمح إلى زوجها بأستمرار بخيبته كزوج مقصراُ  معها وغير معطياً لها حقوقها الشرعية أو ربما  أحتياجها الى الحالة العاطفية أو ربما هى لا تراه رجل مكتمل الصورة   لذا  نراها دائماً فى  محاولة تقرب من صاحب المنزل  من خلال الأداء الحركى المتغزل فيه والتى تحاول التقرب منه دائماَ ، ومن هنا خلقت بينها وبين الجمهور مواقفها  الكوميدية المتكررة ؛ عكس الزوجة الارستقراطية الرقيقة الهادئة التى ترتدى ملابس  فخمة  ( بسمة ماهر ) وزوجها  ( أحمد السلكاوى ) الذى  يرتدى ايضأ بذلته الثرية فهو ممثل يمتلك  الموهبة التنويعة فى الأداء الصوتى القادرة على شرح ما يتلون به كرمز للطبقات الارستقراطية  المستغلة ؛عكس الزوج الشعبى ( محمد يوسف) الذى يجمع بين خفة الدم وممثل للطبقة الشعبية التى تحمل الثقافة السمعية  معتمداً عليها كمصدر مؤكد للحقائق ، فهو دائماً على سجيته،  متهوراً ؛ عكس دهاء  زوجين الطبقة الثرية  المستغلة التى تحمل شيئا من النعومة والرصانة  فى الاداء والفخامة  الملابس ؛ ونجد الربط الذكى بين الازواج  من خلال تأويل الحقائق كلا حسب رؤيته  و ظهروهم كأشخاص سلبية .  فعن طريق تلك المفارقات تكمن التراجيكوميدى بينهم وبين المشاهد .

وعلى مستوى الحركة المسرحية فقد اتسمت بضيق المسافات التى  المخرج المتجسدة من خلال أجساد الممثلين وخطوط الحركة المنحنية؛ فنجد المسافات الضيقة كى تعبر عن محدودية الفكر وضيق الأفق. ومن الناحية الأخرى، الهيمنة والسيطرة من الآخر الذى يريدك معه اى فى جانبه؛  فيؤكد المخرج ذلك من خلال الجملة التى تتردد طوال العرض( انت معانا) ( انت ضدنا)  فهذين الحزبين  من الازواج يريد صاحب المنزل أن يدعم فكرته ورؤيته ويكون معه وبجانبه؛ فتأتى المشاهد  متزاحمه بالأجساد. هم دائما بجواره.. هم المسيطرين..، فهو دائما بينهم  محاصر؛ فقليلا ما يقف وحيدأ على يمين الكادر المسرحى أو فى المنتصف للتفكير بحرية وبتحررمن أتهامتهم .

عرض ديجافو هو معالجة للنص السويسرى ” إثبات العكس ”  للكاتب ” أوليفيه شاشيارى ”  فهو عرض يجعلك تفكر ولكن بطريقة بعيدة عن التراجيديا ، بل عن طريق التلاعب بحدث أو فكرة أو رؤية أو معنى أو شخصية ؛ فتتعدد رؤيتنا للحقائق وتتعدد انطباعتنا ولكن  الجميع يحاول توريطك في كل شئ حتي يصبح الامر مشكلتك انت وعليك التحيز لاحد الجوانب والا ستكون مع الجانب الاخر فاما ان تكون معا او ضد.