صحراء المماليك من جديد..4 آراء مهمة عن مخاطر محتملة تهدد ما هو غير مسجل تراث وتنسيق حضاري
المشروعات القومية مهمة وضرورية ونأمل أن لا تصطدم بمناطق أثرية أو تراثية
رغم مرور ما يقرب من اسبوعين علي الجدل الذي أحدثته اعمال الهدم التي قامت بها محافظة القاهرة في مقابر صحراء
المماليك،وذلك لتوسعة شارع قنصوة ضمن أعمال إنشاء محور الفردوس،الا أن هذا الجدل مستمر حتي الآن،خاصة مع ما تردد
عن هدم مقابر ومدافن أثرية وتراثية،الا أننا وخلال جولة قمنا بها في المنطقة وجدنا أن ما تم هدمه اغلبه اما الأسوار الخارجية
للمدافن أو حجرات حديثة ملحقة بها،ولم يتم أي هدم لاثار مسجلة.
وبغض النظر عن تأييد ما تم أو رفضه والاعتراض عليه،فاننا نسعي لنشر كل الآراء المتزنة التي تسعي لخدمة التراث والعمل
علي إنقاذه،حتي وان كانت رافضة للهدم ومعترضة عليه،خاصة أن وزارة السياحة والآثار ردت في بيان رسمي أنه لا توجد أي
آثار مسجلة في المنطقة تم التعرض لها بأي هدم،مؤكدة أن تسجيل المكان أو المنشأة كأثر له اشتراطات حددها قانون الآثار
في 13 بندا،ومنها المدي الزمني 100 عام.
100 عام من شروط تسجيل الآثار
وفي هذا التقرير ننشر 4 آراء لمحبين وباحثين في الآثار والتراث،ومنهم الدكتور مصطفى الصادق الذي قال أن مسألة مرور مائة
عام على المبنى كي يتم تسجيله أثرًا يجب أن يُعاد النظر فيها، فالمشكلة أنها ليست مائة عام من وقت ما نتحدث الآن، بل
هي مائة عام وقت صدور هذا القانون، أي ما قبل 1983م، وهو الأمر الذي يجعل الكثير من المباني ذات الطراز أو القيمة
الاجتماعية والتاريخية عرضة للتدمير بحجة كونها غير مسجلة في عداد الآثار.
وإستكمل الصادق حديثه قائلاً:ما حدث قد حدث فماذا عن القادم؟،خاصة أنه ترددت أقاويل أنه لازالت هناك أعمال هدم قادمة،
والتي ستطال عددا من المباني الأثرية “الغير مسجلة”، سواء في مقابر الإمام الشافعي أو الإمام الليث، هل نستطيع أن
نوقف بلدوزر الهدم عند هذا الحد ونبتكر بدائل تبتعد به عن المناطق التراثية والأثرية بشكل عام؟.
الصادق قال مضيفاً:المشروعات القومية للدولة لا يستطيع أحد أن ينكر المجهود المبذول فيها، وأهميتها بل وضروريتها وأنها
جزء من إعمار مصر، وفتح مسارات جديدة نحو المستقبل،ونحن فقط نأمل أن لا تصطدم هذه المسارات بمناطق أثرية أو تراثية.
صحراء المماليك وقانون التنسيق الحضاري
ننتقل إلي رؤية أخري من خلال حديثنا مع معاذ لافي الباحث في الآثار الإسلامية،والذي بدأ كلامه قائلاً:حتى لا نكون فريسة
للمغالطات المنطقية التي يستعملها البعض في هذا الشأن،فإننا لا بد أن نذكر أن المنطقة خاضعة للقانون رقم 119 لسنة
2008 الخاص بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري وقانون حفظ التراث التابع لمنظمة اليونيسكو أيضاً،وينص على أنه لا يجوز
إقامة أو تعديل أو تعلية أو ترميم أي مبان أو مشروعات أو منشآت ثابتة أو متحركة ولا وضع إشغالات مؤقتة أو دائمة ولا تحريك
أو نقل عناصر معمارية أو تماثيل أو منحوتات أو وحدات زخرفية في الفراغات العمرانية العامة “الطرق”.
ويحظر إقامة أي مبان مثل كباري المشاة أو الطرق العلوية للسيارات أو الإعلانات واللافتات الإرشادية التي تقطع
الشوارع،وهذا يتفق مع قانون حماية الآثار نفسه الذي يحظر إقامة أي منشأه تعلو أو تغطي الآثر مما يشكل تأثيراً سلبياً
وتهديداً له، ويتحدث قانون الجهاز القومي للتنسيق الحضاري عن عدم إقامة أي منشأة أو مبنى لا يتناسق ولا يتفق مع
النسيج العمراني للمنطقة بل تشترط عليه أيضاً حتى وإن كان متوافقاً مع الطراز المعماري بعلو محدد، فضلاً عن إقامة أي
منشأة ضخمة تضر بالمنطقة نفسها فهذا يحظر إنشائه كما أسلفت.
وشدد لافي علي أن تاريخ المنشآت في تلك المنطقة يرجع إلى عصر سلاطين المماليك بتسلسل زمني مستمر حتى وقتنا
الحاضر،مشتملاً على طرز معمارية مختلفة تعبر بطبيعة الحال عن ثقافة وتذوق مهندسي تلك الأبنية سواءً كانت مسجلة في
عداد الآثار وهي النسبة الأقل أو لم تكن مسجلة،وهي تلك الأبنية التي أنشئت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن
العشرين لشخصيات محورية في تاريخ مصر وقد نالهم الهدم كمدفن عائلة إحسان عبد القدوس وأحمد لطفي السيد وزكي
بك المهندس وتلك هي النسبة الأكثر.
وعبر عن رفضه لتوقيت الإعلان عنه من تشكيل لجنة لمعاينة شواهد القبور ذات القيمة الفنية،حيث تم تشكيل اللجنة بعد
عمليات الهدم وحتى الآن لم يتم الإعلان عن حفظ أي شاهد قبر قبل أن تعبث به يد المقاولين،كما أن حجة هدم أبنية بدعوي
أنها غير آثرية تتنافى مع قانون حفظ التراث ومخالفة واضحة في حق القانون،وان كان صحيحا ما أثير عن إقامة كوبري في
المنطقة،فهذا معناه انتهاء القيمة التراثية لها وإلحاق الضرر بالآثار نفسها.
التطوير لوضعها على الخريطة السياحية
ولأن هناك الكثير من محبي التراث يمتلكون رؤي معقولة ومهمة في هذا الأمر،استمعنا لأحدهم وهو أحمد فتحي أحد شباب
الأثريين المهتمين بالتراث،والذي قال أن مشكلة جبانة المماليك يمكننا أن نلخصها في عدة نقاط،حيث أن تناول الموضوع من
ناحية إن الهدم تم لقباب أثرية مسجلة أو غير مسجلة هو الكارثة في حد ذاته،لأنها من وجهة نظري ليست المشكلة التي
مفترض أن نفكر فيها ونركز عليها،لأن الجهات التنفيذية والهيئات البحثية شغلها الشاغل واهتمامها يكون في السعي بكل
الإمكانيات للحفاظ على كل طوبة تمثل جزءا من تراث البلد،والعكس أنه بدلا من الحديث عن حجة عدم تسجيل المقابر كان
الأولى أن نسعى لتسجيلها.
وطرح سؤالاً مهما عن سبب عدم تسجيل القباب التي تعرضت للهدم في عداد الآثار؟،وحتي إن لم تتوافر بها الشروط لماذا لم
تسجل في جهاز التنسيق الحضاري،حيث أن أهمية المنطقة وإهمالها الشديد على مدار تاريخ طويل وعدم تطويرها يوجب
علينا السعي والاهتمام بتنفيذ مشروع لتطويرها بحيث يتم وضعها على الخريطة السياحية،مشيرا إلي أن الخطر الذي يهدد
المنطقة ومنشآتها الأثرية والتراثية من هذا المشروع يتمثل في الإنشاءات وحركة السيارات فيما بعد،وفكرة وجود كوبري أو
طريق يقطع الجبانة وتوسيع الشارع في حد ذاته تفكيك لوحدة وترابط الجبانة كمنطقة كاملة ويفكك نسيجها العمراني الممتد
على مر العصور.
من نلومه علي عدم التسجيل؟
ونختم التقرير بكلام مهم من عماد عثمان كبير أثريين ومدير عام أثار شرق القاهرة الأسبق،والذي قال أن وزارة السياحة والآثار
تم إقحامها إقحامًا في هذا الأمر، ولو أننا سنلقي باللوم حقيقة فسيكون على جهاز التنسيق الحضاري، والذي كان يجب أن
يعمل على تسجيل الطرز المعمارية المميزة في مقابر الغفير، وإحقاقًا للحق فإن وزارة الآثار لم تقم بتسجيل بعض المباني
التي طالبنا بتسجيلها مثل قبة شيوه كار، والتي لم يسجل فيها سوى التركيبة حتى الآن.
هذا فيما قال أحد المسئولين عن تسجيل الآثار والذي فضل عدم ذكر اسمه أن العديد من المباني التي يطلق عليها الطراز
المميز في جبانة المماليك لا ترقى للتسجيل الأثري، حيث أن التسجيل له إحدى عشر بندًا يجب أن تتوافر منها 11 علي
الأقل في المبنى حتى يتم تسجيله أثرًا رسميا.