فنونمنوعات

كادرات مصورة ولقطات فنية وتسلسل زمني .. عالم أثار:المصري القديم كان فنانا سينمائيا بارعا قبل إختراع السينما بآلاف السنين

كشف عالم الأثار الدكتور الحسين عبد البصير مدير متحف مكتبة الإسكندرية أن الفنان المصري القديم عبر في العديد من الأعمال الفنية التي جاءت لنا من مصر القديمة عن فهمه الكبير لفن السينما وإداركه للغة السينمائية،وذلك قبل أن يتم اختراع فن السينما في العصر الحديث.

 

وتابع:فنجد العديد من الأدلة المصّورة في العديد من المناظر القادمة إلينا من مصر القديمة والتي تقدم بوضوح معرفة المصريين القدماء بمبادئ وأصول فن السينما من خلال التطبيق اللافت لفنون التصوير في العديد من المناظر المصّورة على الآثار المصرية القديمة سواء في المقابر أو المعابد أو حتى على بعض القطع الأثرية الصغيرة والتي تظهر براعة وإحساس المصري القديم بالزمن وتكوين الكادر السينمائي .

 

وإدراكه البالغ لتتابع المشاهد الواحد تلو الآخر وفق تسلسل زمني متراتب ووفقًا لمنهج بصري يعطي العين القدرة على التتابع ومتابعة تطور الحدث أو الفعل المصّور على آثارهم، فضلاً عن أن كل مشهد يضيف إلى الآخر ويطوِّر الحدث حتى تكتمل الرؤية أو الرسالة الفنية التي أراد الفنان المصري القديم إرسالها عبر تصويره لهذه اللقطات السينمائية البارعة قبل معرفة واختراع فن السينما بآلاف السنين.

 

وتابع:وتمثل الآثار المصرية بانوراما بصرية لافتة وتصف المشاهد المصوّرة عليها العديد من اللقطات الفنية البارعة التي تعبر عن لحظات ومشاهد مهمة من حياة المصريين القدماء وفقًا لتسلسل وبناء درامي متماسك لافت. ونرى على صلاية الملك نعرمر بالمتحف المصري تقسيمًا للمناظر وتتابعًا للمشاهد الخاصة بالأحداث التاريخية في فترة محاولات توحيد مصر في عصر ما قبل الأسرات. ومن المناظر المهمة في الحضارة المصرية القديمة تصوير المتوفى جالسًا إلى مائدة القرابين.

 

وقد برع المصري القديم في تقسيم المشاهد إلى لقطات ووضع خطوط فاصلة كي تفصل المشهد عن الآخر. وأذهلت مناظر المصارعة في بني حسن بالمنيا الجميع بتنوع وتتابع المشاهدة في لقطات تزيد على المائتين في العدد. وعرف الفراعنة تصوير المشهد الأمامي والخلفي وإبراز الشخصية الرئيسية والثانوية والشخصيات المزدوجة. وكذلك أبدعوا في صنع الكادرات والزوايا واللقطات والمنظور والأضواء والظلال والتصوير الجانبي والتصوير الغائر والبارز والتصوير تحت الماء وإظهار الحركة لحظة وقوعها والحركات المتتابعة والتحريك وتقطيع المناظر (الديكوباج).

 

والمدهش في الأمر أن المصريين القدماء قد عرفوا أيضًا فن المونتاج. وظهر ذلك بوضوح شديد في مناظر تصوير صناعة السبائك الذهبية؛ إذا قام المصريون القدماء بصناعة تسلسل وتتابع تصويري من خلال عدد من المناظر المصوّرة على الجدران. وهناك، على سبيل المثال لا الحصر، في مقبرة مريروكا بسقارة مناظر متتالية تحكى خطوات الصناعات المعدنية بدءًا من وزن المادة، ثم صهرها، ثم صبها في قوالب، وتشكيلها في سلاسل، ثم عمل قلائد للصدر، ثم عمل قلادة من نوع آخر في نهاية الأمر.

 

وتظهر هذه الأعمال الفنية العبقرية القادمة إلينا من مصر القديمة عبقرية وإنجاز وإعجاز المصري القديم وتعامله مع جميع مفردات الفنون بحب وعشق وإبداع، وكذلك توضح تفرده وأسبقيته في إبداع الفنون التي عرفها العالم بعد آلاف السنين؛ مما يدل على عظمة مصر والمصريين ويؤكد هذا دومًا، كما أحب أن أقول، إن مصر هي التي علّمت العالم.

علاء الدين ظاهر