مختار محمود يكتب: الأب في زمن السبلايز!!

ليس هناك أتعس من أب لا يستطيع الوفاء بمتطلبات العام الدراسي هذه الأيام. لقد اتسع الخرق على الراقع، ولم يعد ذوو الأبناء قادرين على تلبية ما تحتاجه المدارس. من أكاذيب هذا الزمان أن الدستور ينص على مجانية التعليم. مجانية التعليم رابعة المستحيلات الثلاثة عن دارة واستحقاق، إن لم تكن أولاها!
في عصر التضخم لا عاصم لأب من قهر الرجال إلا من رحم الله ومن اصطفى. الأمر جَدُ خطير لا يحتمل هزلاً. إملاءات المدارس تفوق في قسوتها اشتراطات صندوق النقد الدولي على الحكومة. كلاهما لا تأخذه بنا رحمة أو شفقة. إن كنت ذا ولد واحد أو اثنين فبها ونعمت ونجوت في زمن تصعب فيه النجاة، وإياك أن تكررها. أما إذا كنت من ذوي الثلاثة والأربعة فلا تلومن إلا نفسك الأمَّارة بالسوء والسذاجة والعبط.
يكفيك أيها الأب البائس –خاصة إن كنت من ذوي الأربعة- أن تصحبهم في جولة لشراء ما يسمى “السبلايز”؛ لتعلم أنك عاصرت زمنًا غير زمنك. حتمًا ولا بد أنك سوف تصرخ بصوت أعلى من صوت مدحت صالح:: “رفضك يا زماني، يا أواني، يا مكاني، أنا عايز أعيش في كوكب تاني”! سوف تكتشف أن سبلايز تلميذ واحد يعادل مرتب شهر أو يزيد، فما بالك لو كانوا أربعة!
“لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي”، وادفع عن يد وأنت صاغر ذليل. أليس السبلايز بدعة أيها المشايخ، وكل بدعة ضلالة، لماذا نفتقدكم –أيها الُمُعممون- حيث نطلبكم. ربما لو خطب أصحاب المنابر يومًا عن “حرمانية السبلايز” لاقتنعت الأمهات وامتنعن. ليت وزارة الأوقاف تدرجها ضمن عناوينها الموحدة. تحمل السيدات سبلايز أبنائهن، لدى عودتهن من المكتبات أو عند نقله إلى المدارس، كما تحمل النساء “عشا العروس” يوم الصباحية. فرحة مفرطة لا يشعر بها أب مكلوم أحال التضخم راتبه إلى جنيهات معدودة وكان فيه من الزاهدين، أب أشد قهرًا من عماد حمدي في “أم العروسة”!
السبلايز ليس كل شيء، ولكنه عنوان حقبة هزلية، تعنى بالشكل على حساب المضمون. كل عظماء العالم صاروا عظماء بدون سبلايز، وبدون تعليم خاص ودولي. تبت يدا من فرض السبلايز وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب!
كان التعليم في في سنوات ماضيات كالماء والهواء، حتى وصلنا إلى مرحلة أصبح السبلايز فيها أغلى من الماء والهواء، فما ظنك برسوم المدارس وكلفة الدروس الخصوصية وما قد يستجد! حتى تدرك أن راتبك لا يساوي شيئًا انظر إلى حذاء صغير قليل الجودة وقد تحدد سعره بألف جنيه مما تعدون!
مازحت إحدى مسؤولات المدرسة: هل سوف تحتاجون كل هذا السبلايز؟ فإذ بها تنظر إلىَ نظرة شريرة، وكأنها هند بنت عتبة: “طبعًا”، ولسان حالها وعقلها الباطن يرددان: “اغرب عن وجهي أيها البائس الفقير ولا تعكر صفونا بسخيف كلامك”! تلك الشريرة يبدو أنها لم تسمع يومًا تساؤلات محمد هنيدي في فيلم “عندليب الدقي”: الأب ليه متاكل حقه/
وحقه يا ناس مهضوم/ مين اللي ماضي شيكات/ علي نفسه وكمبيالات بالكوم؟ ربما لو استقبلت هذه المسؤولة التي تتقاطع ملامحها مع “بنت سلطح ملطح باشا” في فيلم “إشاعة حب” ما استدبرت من أمرها، لأعادت لي نصف السبلايز على الأقل؛ لأعيده بدوري إلى المكتبة، واستعيد بعض المال لشراء أدوية الضغط والسكر والقلب التي قررت حظرها هذا الشهر على الأقل، وحتى إشعار آخر!
يا للهول. لقد أذل السبلايز أعناق الرجل، وقهر الأباء الذين لا يشعر بهم أحد، سواء حكومة الشعب أو شعب الحكومة! لقد صار الجميع يعاملون الأباء معاملة لصوص المساجد. هل آوت الحكومة يومًا إلى ركن بعيد وسألت نفسها: كيف يدبر أرباب الأسر أمورهم واحتياجاتهم؟ غالب الظن لا. ومن رضي أن يكون أبًا في سنوات التضخم، فليتخذ حذره، أو لا يلومن إلا نفسه. السبلايز، وما يترتب عليه وما يتصل به حرام حرام حرام، ولو كره القائمون على أمر هذه المدارس والجالسون فيها والمرابطون على المنابر!