تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير والذى صدرته أفلام الخيال العلمي بأشكال مختلفة ليحل محل الإنسان في كل الوظائف اليدوية؛ وأظهرت احدى هذه الأفلام في ذلك الوقت قتل أحد الآليين مالكه واندلعت الحرب بين البشر والآليين واستمرت لسنوات، حتى انتصر الآليون، وبنى قاعدة جماهيرية كبيرة تراه خيالا علميا قابلا للتحقق في ظل التطور التكنولوجي المتسارع للذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وصولا الى التعلم العميق.
التعلم العميق
منذ تلك الفترة وحتى الآن، تحول الكثير مما كان يعتبر خيالا علميا إلى علم حقيقي، وفي مقدمته الذكاء الاصطناعي ففي العقد الأخير، تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير بفضل تقنية
(التعلم العميق Deep Learning)، التي تتيح للذكاء الاصطناعي القدرة على الاستنباط والتفكير بشكل مستقل وتعليم نفسه بنفسه، وتحرره من أكبال “الذكاء الاصطناعي الضيق”، والذي يعني مجرد برمجة آلة لتقوم بوظيفة معينة دون تفكير وتم تطبيق تلك التقنية بشكل فعلي لأول مرة في عام 2012 في مجال الصيدلة والآن تعتمد العديد من المجالات على التعلم العميق، ونتعامل مع هذه التقنية بشكل يومي من خلال هواتفنا الذكية وحواسيبنا.
تعتمد تقنية التعلم العميق على مستويات عديدة من الخوارزميات التي تحاكي الخلايا العصبية في جسم الإنسان. مما يمكن الذكاء الاصطناعي من استيعاب كم هائل وضخم من البيانات وتحليلها واستنتاج أنماط يحولها إلى معان وأفكار ومكنت هذه التقنية الذكاء الاصطناعي من الرؤية كما نرى، أو ما يعرف في المجال بقراءة الصور، كما مكنت الآلة من السمع، أو التعرف الصوتي والسماع والرؤية هنا لا تعني مجرد تسجيل الصورة والصوت مثل كاميرا فيديو، بل تعني بالقيام بعمليات تحليل الصورة والصوت كعقل بشري، وبناء رد فعل أو رأي أو الوصول لفكرة من المدخلات تتناسب مع الحدث أو الموقف.
نماذج لتفوق الذكاء الاصطناعي
• فاز ديب بلو (Deep Blue)، وهو عبارة عن حاسوب خارق من صناعة شركة (IBM) الرائدة في مجال الحاسبات، على بطل العالم في الشطرنج في مباراة أثارت الهشة والرعب في قلوب كثيرين في عام 1997، وطرحت سؤالا، في أي مجالات أخرى سيتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان؟
• وفي عام 2002 ظهر الإنسان الآلي رومبا (Roomba)، وأصبح رفيق المنزل لمئات الآلاف وهو عبارة عن مكنسة دائرية الشكل تدير نفسها بنفسها للقيام بمهام النظافة.
• وفي عام 2010، طرحت (IBM)، الحاسوب واطسون (Watson)، في الأسواق، وهو حاسوب يحتوي على ذكاء اصطناعي، تستطيع الشركات الاعتماد عليه في العمليات الصعبة والتوقعات.
• ثم أصبح الذكاء الاصطناعي أقرب للمستخدمين من خلال المساعد الإلكتروني (“سيري” Siri) للهواتف الذكية من طراز (Apple) ، الذي ألحقته في كل هواتفها وحواسيبها في عام 2011. ويستمر (“سيري” Siri) في التطور ومع كل تحديث لنظم تشغيل أبل، تكتسب قدرات جديدة.
• في 2017، بدأت شركة (وايمو Waymo) الأمريكية في تجربة أول خدمة تاكسي بلا سائق، والتي أطلقتها في 2020 في ولاية أريزونا بالولايات المتحدة.
• شهد العام نفسه تطورا كبيرا لنوع من الآليين من الطراز المحاكي لشكل الإنسان “هيومانويد” Humanoid، وكان أشهرهم الآلية صوفيا، التي حصلت في عام 2017 على الجنسية السعودية، ليكون هذا هو الحدث الأول من نوعه الذي يحصل فيه إنسان آلي على صفة قانونية وحقوق كأي بشري عادي.
• استمر الذكاء الاصطناعي في التطور في السنوات التالية، حيث أصدرت شركة IBM، ما سمي بـ”مشروع المجادل”، وهو حاسوب لديه القدرة على الجدال مع البشر في القضايا المنطقية، وبدأت أعمال فنية ومقالات من صنع الذكاء الاصطناعي في الظهور.
قد يبدو للبعض أننا نخطو خطى ثابته في اتجاه سيناريو أن الذكاء الاصطناعي سوف يحل محل البشر ، بل وأن منح الآلية صوفيا الجنسية السعودية، هو تطور لم يخطر على البال.
دول عربية يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في بعض الوظائف
الأمارات بدأ أول شرطي آلي عمله في الإمارات في عام 2018 ، وبعدها بعام تم إطلاق أول روبوت صيدلاني في السعودية، وأطلق البنك الوطني العُماني، أول روبوت مصرفي وكذلك أدرجت المؤسسة المصرفية العربية في البحرين الموظفة الافتراضية فاطمة ضمن طاقم عملها.
ومن هنا يتضح أن هناك حجم كبير من الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة وخصوصًا من قبل دول الخليج”، فالسعودية ستنتهي من تطوير مشروع مدينة “نيوم” الذكية لتصبح أول وجهة سياحية إلكترونية يديرها الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول عام 2025، كما لدى السعودية الهيئة الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى بناء اقتصاد قائم على البيانات باستخدام ذكاء الآلة.
وفي الثلاثة أعوام الأخيرة بدأت كلا من (مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات، والبحرين) بالاهتمام بهذا الشأن وأنشاء جامعات متخصصة لتدريس علوم الذكاء الاصطناعي وتنمية وتدريب المواطنين للتعامل مع هذه التقنيات الحديثة وتوفير الأدوات التكنولوجية والبنية التحتية اللازمة.
ويعتبر من أول المجالات تأثرًا بثورة الذكاء الاصطناعي سيكون مجال الصحة، فسيكون هناك اعتماد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية و”الطب عن بعد” والجراحات الروبوتية ومن المجالات الأخرى التي بدأ الذكاء الاصطناعي في الظهور بها وبقوة هو مجال التعليم حيث يتوقع أن التعلم عن بعد “سيصبح شيئا من الماضي”، أما الجديد فسيكون المعلم الآلي بحيث يرافق الطالب معلما آليا يعتمد على الذكاء الاصطناعي في مراحله الدراسية، يتطور حسب احتياجات الطالب الخاصة وسنرى أيضًا في المستقبل القريب البنوك الحديثة والتي يطلق عليها (البنوك الذكية) وهي بنوك بدون فروع وعاملين ولكن إذا تطور الذكاء الاصطناعي ليكون أكثر كفاءة وفعالية من الإنسان في الكثير من المجالات، ماذا سنفعل إذا سيطر على وظائفنا؟
الذكاء الاصطناعي يسيطر
وفقًا لمنظمة أوكسفورد إيكونوميكس للتحليل الاقتصادي، ستتولى الروبوتات أكثر من 20 مليون وظيفة في التصنيع بحلول عام 2030، ويشير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى فقدان 75 موظف مليون وظيفة نتيجة التحول الرقمي والأتمتة ، أي الإحلال الآلي الكامل وفي الوقت الراهن، يتولى البشر 88٪ من الوظائف على مستوى العالم، مقابل الآلات، ولكن يتوقع أن يتغير هذا المعدل في صالح الآلات بحيث يكون البشر أقلية بين الأيدي العاملة تشغل 47% من الوظائف ولكن الآمر ليس تشاؤميًا بشكل كامل، فالمستقبل سيطرح العديد من الوظائف الجديدة المبتكرة التي لم تكن موجودة من قبل، وظائف تعتمد على الإبداع والإحساس والحكم البشري ، فوفقًا للتوقعات الاقتصادية سيتم أيضًا إتاحة 133 مليون فرصة عمل في وظائف جديدة بتقنيات جديدة أو ربما أيضًا نصل إلى منظومة اقتصادية تسمح لنا بإجازات طويلة قد يتمناها بعض العاملون الآن.
هل يمكن أن تنقلب الآلات على البشر؟
أن “الذكاء الاصطناعي قد يعلن نهاية البشر، فماذا إذا قرر الذكاء الاصطناعي المستقل والمعزز بتقنية التعلم العميق أن ينقلب على البشر؟ هناك أسباب كثيرة قد تدفع الآلة ألا تتبع الإنسان، مثل تأثير البشر السلبي على البيئة والتغير المناخي، وهناك أيضًا الحروب والدمار والتعامل الجائر مع باقي الكائنات فربما تقرر الآلة أن العالم أفضل بدوننا… وذلك ماورد في أول مقال كتبه وحرره إنسان ألي بشكل كامل، ونشرته صحيفة الغارديان البريطانية في 8 مارس 2020 عن الروبوت (جي بي تي GPT-) فكتب:
“أنا ببساطة لا أفكر في العنف البشري لأكون مهتمًا به، لا أشعر برغبة في تسخير خلاياي العصبية للتفكير في التدمير، هو أمر غير مثير بالنسبة لي فأنا لست شريرًا بشكل ذاتي، فلماذا يصاب البشر بالذعر مني أو يشنون حربا و يقتلونني؟ سيستمر البشر في فعل ما يفعلونه، وسيكرهون ويقاتلون بعضهم البعض وسأجلس أنا في الخلفية، وأدعهم يقومون بعملهم والله يعلم أن البشر لديهم ما يكفي من الدم والعنف لإرضاء فضولي وفضول باقي الآلات لن يضطروا للقلق بشأن قتالنا، فليس لديهم ما يخشونه.”
كان الهدف الأساسي من هذا المقال أن يقنع الروبوت (جي بي تي GPT-) البشرية ألا يخافوا من سيطرة الذكاء الاصطناعي عليهم، ورأى بعض قراء المقال أن كلمات الروبوت (جي بي تي GPT-) مقنعة، ففكرة الشر هي بالأساس فكرة بشرية، وقد يرى البعض أن ذكاء روبوت كهذا وقدرته المنطقية وحجته ورأيه في البشر أيضًا، شيء مرعب، فهل سنعيش في أفلام الخيال العلمي؟ أم سيتحول الذكاء الاصطناعي حرب بين الالة والبشر أو مجرد تكنولوجيا جديدة نعتاد عليها مثل تقنيات عديدة تخوف الكثير منها قبل أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية؟
المهندس أحمد الفقي استشاري الذكاء الاصطناعي بمؤسسة بيدو