عربي ودولي

حيدر خضير الروبيعي يكتب : خارطة الصين وسورها العظيم

في عام 1971 أهدت الصين إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك بساطاً ضخماً، يحمل رسم سور الصين العظيم، وهو البساط الذي وضع في القاعة الشمالية للمنظمة الدولية عقب وصوله من بكين، بينما كان الناطق باسم المنظمة يقول: “إن سور الصين العظيم يعبر عن نظرة جديدة وأسلوب جديد للصين الجديدة”..

والحقيقة أن هذا التعليق كان عميقاً إلى أبعد الحدود في تفسير اتجاه واشارات بكين، التي وضعت السور المرسوم بعناية -ربما- للتذكير والتأكيد على أنها ستسعى لبناء جدار مرتفع كارتفاع سورها العظيم حول كل ما هو صيني، وأن على الجميع أن يدرك ذلك الخط الأحمر، وألا ينازعها في شأنها كممثل لصينٍ واحدة قادمة في يومٍ ما!

ولعل نجاح بكين آنذاك في فرض رؤية زعيمها “ماو تسي تونغ”، وحصولها على الاعتراف الأممي في 25 أكتوبر 1971، بتمرير القرار الذي منحها مقعد الحكومة المنافسة في تايبيه، جعل جمهورية الصين الشعبية ترسم خارطة جديدة منذ ذلك الحين لمستقبل العالم، خارطة عكفت على الاستعداد لها لأكثر من نصف قرن، حتى بدت بوادر الصدام المتوقع والآتي بلا محالة!

فخلال العقود الخمس الماضية تجنبت جمهورية الصين الشعبية الدخول في صراعات مباشرة مع البيت الأبيض أياً كان من يسكنه، حاولت تسيير سياستها الخارجية مع واشنطن باتخاذ مواقف مائعة أو غير واضحة، بل ربما أرغمت نفسها على الابتسام في وجه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فقط للإفلات من أي فخ يستهدف تعطيل انطلاقها نحو مستقبل تراه، وباختصار رسمت بكين كلمات وعلاقات تجنبها إهدار طاقتها فيما لا يفيد أهدافها المستقبلية، ومن ثم هادنت الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من سياسات واشنطن المعلنة تجاهها والتي صنفت الصين كتهديد مستقبلي طويل الأمد..

ولكن بكين رغم ذلك وجدت نفسها فجأة في مواجهة القصف الدبلوماسي الأمريكي، مع تصاعد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأمام مطالبات مباشرة بإدانة روسيا والتخلي عن أي ارتباط استراتيجي معها وإلا….

وهنا بدى للجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت بالفعل في الضغط على بكين بورقة تايوان، التي هي بمثابة الخط الأحمر الذي رسمته الصين لسياستها الخارجية منذ البداية، ما أنذر بتحرك الأمور ودحرجة كرة الثلج بسرعة كبيرة لتنطلق التصريحات.. التهديدات.. المناورات.. الاستعدادات.. التحالفات…، وكلها أبرزت قاع العداءات الراكدة على سطح العلاقات الصينية الأمريكية، كما أظهرت بوضوح استعداد العملاق الصيني للانطلاق إذا كان الهدف هو جمع خارطة الصين وراء سورها العظيم، الذي عملت بكين لسنوات طويلة على أن يمتد لكل ما هو صيني حتى وإن عبر البحار والمحيطات..

وهنا جاءت كلمة عراب واشنطن الأبرز “هنري كيسنجر” وزير الخارجية الأمريكي الأسبق خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ربما لفرملت عجلات سياسات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الصدامية في بعض الملفات، ومنها ملف العلاقة مع الصين قبل حدوث الاصطدام، حيث دعا “كيسنجر” واشنطن لتجنب المواجهة مع الصين بشأن تايوان، مؤكداً أنه “يجب على الولايات المتحدة والصين في السنوات القادمة، التوصل إلى فهم لكيفية بناء علاقة طويلة الأمد”..

فهل تأخذ الإدارة الأمريكية بهذه النصيحة وتخفف من سرعة الاصطدامات القادمة، أو تعيد هندسة سياستها لتصبح أكثر ملائمة لعالم جديد يتشكل، خاصة وأن هناك مؤشرات حول تمرد أو حتى محاولات من بعض الدول للخروج من الحظيرة الأمريكية، في وقت كشرت فيه الصين أخيراً عن أنيابها؟