سلايدرمقالات

د. سامي سلامة يكتب: لا تعطوا المعلم عارف مخرجاً ليهرب بفعلته

“لا تعطوا المعلم عارف مخرجاً ليهرب بفعلته”..

المعلم عارف لم يكن له من إسمه نصيب.. الحقيقة.. لم يكن يجيد أى مهنه على الإطلاق، إجادة بمعنى معرفته لمهارات وحرفية الصنعة التى يؤديها.. وبما أنه صاحب أسرة كبيرة، وحملة تقيل، وبسبب ندرة الأعمال المتاحة في قريته، لم يكن يتردد مطلقا في قبول أى عمل يعرض عليه – وإن لم يكن يجيده – مهما كانت العاقبة، مدفوعاً بقناعة تصل حد اليقين بأنه يمتلك مفهومية وذكاء خارق من رب العالمين.. المهم أن يقول الناس: ” المعلم عارف راح.. المعلم عارف عاد”، الصيت ولا الغنى يا جدع.. وإن كانوا الأتنين مع بعض – الصيت والغنى- ما يضرش.

ذات يوم، سمع المعلم عارف رجل يسأل في القهوة عن أسطى بناء، لرغبته في بناء حظيرة كبيرة لماشيته خلف منزله، فقام وقدم نفسه للرجل على أنه معلم بناء، لا يشق له غبار، هدية من الله ساقه القدر في طريقه.. وبما أن صاحب العمل رجل فلاح عقر، وليس لديه معرفة سابقة بالمعلم عارف، ومدى إجادته لصنعته، أشترط عليه أن أجره سوف يتقاضاه بعد إنتهائه من بناء الحظيرة وعرشها.. رضخ المعلم عارف لشرط الرجل مجبراً..

بدأ المعلم عارف يقيس بخطوته الواسعة طول وعرض المكان المخصص لبناء الحظيرة، وعلى عجلة من أمره كلف صاحب العمل بإحضار طوب وخشب وابواب ومؤونة وخمسة رجال أشداء حتى يعملوا تحت امرته، من يقدم له الطين ومن يناوله الطوب اللبن، ومن يجهز له السقلات، وحتى يفرض سيطرته كريس للعمل، طالب الجمع بألا يناقشه أحد في عمله بتاتا الا بعد انجازه..

بدأ المعلم عارف في بناء جدران الحظيرة، طوبة فوق طوبة، في حركة دائرية، ينتهي من حيث بدأ، سطر تلو السطر، وأخذ البناء يعلو ويعلو، بهمة ونشاط.. المعلم عارف كان يريد أن ينتهي من بناء الحظيرة قبل المغرب حتى ينال رضا صاحب العمل لكى يعطيه أجره..

بعد زوال الشمس بقليل، كان المعلم عارف يقف على السقلة، من داخل الحظيرة، يطالع ما تم إنجازه من عمل، وقد أرتفعت الجدران إلى مستوى أعلى من قامة الرجال، ولكنه تنبه إلى أنه – في خضم إنشغاله – نسي وضع روابط وأعمدة لدعم الجدار وتثبيته، ولم يمهل – المونة الطين- وقتا كافيا حتى تجف، ويتماسك الجدار ويثبت فى مكانه..

لم يكن لدى المعلم عارف معرفة ولا خبرة بالبناء بتاتا، كان يعتقد – بمفهوميته وذكائه الخارق كما يدعي- أن البناء مجرد وضع طوبة فوق طوبة وخلاص.. نظر المعلم عارف لجدران الحظيرة وقد بدأت تميل إلى الداخل وتوشك على الأنهيار، عندها شعر المعلم فجأة برغبة ملحة للتبول، أراد أن يخرج من الحظيرة، ولكنه لم يجد مخرجاً يخرج منه، فقد نسي فى غمار إنشغاله بترك باباً للحظيرة ولا حتى شباكاٍ” ليهرب منه وقت الطامة الكبرى.. أصابته ربكة شديدة، بعدما أدرك جسامة الأخطاء الفادحة التى وقع فيها، وأيقن تمام اليقين أن البنيان الذي بناه لن تقوم له قائمة وسينهار في أى لحظة.. أخذ يفكر، وهو يسند الجدار المائل بركبته، ليمنعه من الأنهيار.. ماذا يفعل.. كيف له الخروج سالماً من تلك الورطه التى ورط نفسه فيها.. نادى على صاحب الحظيرة – من مكانه، حيث يقف أعلى السقلة- وبصوت حازم جهوري، مطالباً اياه بأجرته، أو ليحضر أحدهم ليحل محله على رأس العمل، ولكن صاحب العمل ذكره بالإتفاق بينهما، القبض بعد الإنتهاء من العمل، وأنه دفعه للاستدانة لشوشته من طوب الارض قاطبة، من اللي يسوى واللي ما يسواش، وأباعه قطعة من ارضه وحماره وطشت زوجته النحاس والكردان الدهب حتى يلبي طلباته الغير منطقيه.. ولكن المعلم عارف أخذ يهدد ويتوعد، بأنه سيترك الجدار ينهار على رأس أصحابه اذا لم يستجيبوا لاوامره..

مع تمسك صاحب المنزل بالاتفاق، لم يجد المعلم عارف بد غير سحب ركبته التى كان يسند بها الجدار، لينهار الجدار أنهياراً كاملاً..

لم يكن المعلم عارف معنياً البتة بإكمال العمل الذي بدأه، بطريقته الغريبة واسلوبه العجيب، والذي ايقن مع مرور الوقت فداحة ما أرتكبه من أخطاء، ولم يكن مهتما بقبض أجرته نظير أعماله الجليله التى قدمها لصاحب الدار كما كان يدعي، بقدر ما كان يبحث له عن مخرج من الورطة التى ورط فيها نفسه وصاحب الدار والكل كليله، حتى وصلت الأمور بالجميع إلى حافة الأنهيار..

قبل أن تتنبه سيدة عجوز كانت تراقب ما يحدث من شرفة منزلها لما يحدث، وأدركت ما يرنو إليه المعلم عارف، حيث صاحت في الجميع قائلة: ” دعوا المعلم عارف يتحمل عاقبة أعماله، ولا تعطوه مخرجاً ليهرب بفعلته”.