مقالات

د. سامي سلامة يكتب: (يا زفت الطين يا عيد يا حبيبي.. )

كان الحاج عطيه عمدة بلدهم.. وكبيرها.. وهو من يحل ويربط.. ويفصل بين المتخاصمين .. ويصلح ما بين الفرقاء.. والمثل والقدوة في ضبط النفس والحكمه.. هكذا كان يؤدي دوره بكياسه وتعقل..

ذات يوم .. كان الحاج عطيه- كبير البلد- جالس في مضيفته.. في كامل حليته.. جبه وقفطان وعمه وشال ابيض وعكاز من خشب البلوط.. ومن حوله يجلس كبراء البلد واعيانها.. يفصلون في نزاع نشب بين عائلة البهاسنه وعائلة السوالم على حدود الارض الزراعيه..

بدإ الحاج عطية جلسة الصلح.. واخذ يعدد حقوق الجار على جاره وحسن الجيرة والصفح عند المقدرة ورباطة الجأش وعدم التفوه بكلمات جارحة قد تنعكس بأثر سلبي على نفوس الاخرين..

وبينما الحاج عطيه- عمدة البلد- منهمك في حديثه الديني والتربوي المفعم بآيات الود والرحمة والعفو.. واذا بالواد زينهم- خولى وسية العمده- يدخل عليه المجلس وهو ممسك بتلابيب جلباب الواد عيد ابن هنيه وهو يسحب من خلفه بقرته الحلوب وقد امتلات بطنها على اخرها.. واذا بالواد زينهم يصرخ قائلا:
– الحق يا عمده
– فيه ايه يا واد يا زينهم
– الواد عيد ابن هنيه.. الله يلعنه في كل كتاب طلق خطام بقرته وسابها نزلت ارض الدره بتاعة جنابك.. اكلت بداري الدره وما خلت عود واحد يوحد ربنا..

العمده.. تملك منه الغيظ وهب واقفا.. ينظر صوب الواد عيد ابن هنيه بعينين حانقتين.. وكاد ان يفتك به.. واذا به يتذكر محاضرته قبل قليل وكلامه عن الصفح والشفع.. ولكن كيف له ان يكتم غيظه.. كيف له ان يوازن بين كمية الشر بداخله ولباس الورع والتقوى الذي يحاول الباس نفسه به.. واذا به يقول مقولته الشهيرة.. بعد ان وضع يده على كتف الواد عيد ابن هنيه وهو يضغط عليه بغل:
– ليه كدا يا زفت الطين يا عيد يا ابني.. مش تخلي بالك من المكلوبه بقرتك ربنا يبارك لك فيها.. روح اخفى من وشي دلوقتي ربنا يسامحك يا حبيبي..

منتهى التباين ما بين قول وفعل العمدة، ومنتهى التناقض حتى في طيات حديثه.. صراع نفسي عنيف يعصف بالعمدة عصفا.. صراع ما بين ارادة التعنيف والتظاهر بتغليب قوى الخير.. بقرة عيد في نظر العمده اخطأت وعيد في عرف قانون العمدة يستحق العقاب، ولكن البيئة المحيطة والجو العام السائد ووضع العمدة الحرج ورغبته في الحافظ على وضعه ومنصبه، يجبرانه على غض الطرف والتظاهر بالحميميه والطيبة وروح العفو والتسامح مع عيد ابن هنيه..