مقالات

حيدر خضير الروبيعى يكتب: اللعبة الصفرية!

“يرى بوتين الجغرافيا السياسية لعبة صفرية حصيلتها صفر، إذا فاز فيها أحدهم، لابد من أن يكون الآخر خاسراً”، جملة استخدمتها “هيلاري كلينتون” وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابقة بين صفحات مذكراتها “خيارات صعبة”، عندما تطرقت للحديث عن روسيا..
ورغم أن هذه الجملة لا تحمل الكثير من الأسرار، إلا أنها تجسد في الواقع انطباع الإدارة الأمريكية بمعسكرها الديمقراطي حول الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، وكيف يراه معسكر الديمقراطيين -على الأقل- منذ ولاية الرئيس السابق “باراك أوباما”، وصولاً لإدارة نائبه الرئيس الحالي “جو بايدن”..
والحقيقة أن غالبية المتابعين للسياسات والشئون الدولية قد يتفقون جزئياً مع رأي السيدة “كلينتون” حول إيدلوجية الرئيس الروسي، ولكنهم في المقابل قد يطرحون سؤالاً كبيراً حول مدى نجاح تلك السياسات التي استخدمها الديمقراطيون في التعامل مع (روسيا-بوتين)، رغم علمهم المعلن -هذا- بمفاتيح تفكير سيد الكرملين وتلك اللعبة الصفرية!
ويكفي هنا الإشارة إلى أن معظم الخطوات التي قام بها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” – كضم شبه جزيرة القرم مثلاً- تمت خلال تولي إدارات أمريكية ديمقراطية، وهو ما يطرح بدوره سؤال آخر حول حقيقة استفزاز تلك الإدارات بشكل أو بأخر -سواء عن قصد أو حتى دون قصد- للتخوفات والشواغل الروسية، ومن ثم العمل على إغضاب الدب الروسي في أكثر من مناسبة، بالرغم من انشغال الأخير في ضبط واقعه المعاش بعد تفكك اتحاد الجمهوريات السوفيتية؟
وإذا عدنا لنفس المذكرات مرة أخرى، سنلاحظ استشهاد السيدة “هيلاري” بملاحظات لكبار القادة في المعسكر الغربي حول كيفية التعامل مع روسيا بشكل عام، ومنهم أحد أهم وأبرز رؤساء وزراء المملكة المتحدة بالقرن العشرين “ونستون تشرشل”، وحسب كلماتها “لاحظ ونستون تشرشل أنه لكي تتحقق الوحدة الحقيقية في أوروبا، يجب أن تكون روسيا جزءاً منها”، فهل حاولت أي من دول المعسكر الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العمل جدياً بملاحظة “تشرشل” فيما أعقب الحرب العالمية الثانية؟
الإجابة بالطبع لا تحتاج إلى إجهاد العقل في البحث، فهي تتلخص في نفي قاطع، فقد تعامل الطرفان سواء روسيا أو الغرب بنفس تلك المعادلة أو اللعبة الصفرية كما أسمتها “كلينتون” خبيرة سياسات “الفوضى الخلاقة”، وربما أرادت روسيا خلال مراحل مختلفة إيجاد صيغة ما لكبح جماح هواجسها، وتحويل العداءات التاريخية بينها وبين أوروبا إلى صيغة الماضي، وصولاً حتى إلى إمكانية الدخول في حلف تم تشكيله في الأساس ليقف أمامها، ولكن تخوف كل طرف من الطرف الآخر عمل دائماً في اتساع الفجوة أكثر، وتنامي السباق والتشكك والتحفز، ومن ثم فقد تحققت كل عوامل ومبررات الصدام!