سلايدرفنون

شاهندة محمد علي تكتب: دراما رمضان بين الاقتباس المعلن والخفي والمسموح

تظل فكرة المعالجة الفنية لنصوص بعينها فكرة لا تموت ، ولكن ليس الأقتباس أمر بسهل ، أو متروك بدون ضوابط ، فهو لا يخلو من الأبداع ايضأ والمجهود الشاق ، كما تم فى أعمال بعينها ، تمثل كنزأ من كنوز السينما المصرية وتاريخها ، مثل فيلم (الحب فوق هضبة الهرم ) الذى عبر مؤلفه الأصلى الاديب الكبير ” نجيب محفوظ” أن قد تم تقديمه من المخرج “عاطف الطيب” ، ومن السيناريت ” مصطفى محرم ” بجودة تفوق جودة النص الأصلى ، وعلى النقيض يتم إدراج أعمال بعينها تحت نفس المسمى ولكن بطريقة أخرى وهو الأقتباس الداخلى غير المعلن ، فيبقى السؤال لماذا لا يحترم عقل المشاهد ؟! ، أو حتى يقدر قيمة التطور التكنولوجي ، فبضغطة واحدة يمكننا مشاهدة الكثير من الأفلام داخل منازلنا ، التى تطالعنا على كل الأعمال بكل اللغات فلا واسطة ،ولا حواجز للمعرفة وللفن ايضأ ، ولماذا لا يسألون عن ما يفعلون, ولمصلحة من؟!


بين المعالجة الفنية وغير الفنية الفنية لدراما رمضان

 

الملاحظ أن دراما رمضان عام ٢٠٢١ تحمل عددأ من المعالجات مثل مسلسل بين السما والارض للمؤلف “إسلام حافظ ” ، ومسلسل زكى نجيب زركش للمؤلف ” عبد الرحيم كمال ” ، ومصرحون بذلك على مقدمة التتر ، بينما يأتى مسلسل كوفيد ٢٥، فكرة يوسف الشريف ، وتأليف وسيناريو وحوار ” أنجى علاء ” ،وهنا يذكرنا المسلسل بأفلام بعينها من خلال المعالجة والكادرات مثل ملامح الفيلم الأشهرA Quiet Place المكان الهادئ الذى ضم ثلاثة أجزاء إلى الأن ، والذى عرض اول جزء له عام ٢٠١٨ ، فهو يصور المخلوق الذي يهاجم ضحاياه من خلال الصوت ، فمن خلال نفس التيمة أى جذب الصوت للمخلوقات الغريبة داخل المسلسل ، يمكننا مشاهدة التكرار بنفس الحنكة فى أكثر مشهد ,ومنهم أكثر المشاهد تأثيرآداخل الفيلم ، وهو مشهد ما قبل النهاية للبطل الأب لحماية زوجته وصغاره ، فنراه يصرخ بصوت عالٍ ليجذب المخلوق إلى الشاحنة وهو بداخلها يشير ل” ريغان” زوجته على أنه يحبها دائماً، قبل التضحية بنفسه بالصراخ لصرف المخلوق بعيداً عنهم، وبعد تضحية الاب ، تقوم ابنته بوضع الجهاز على ميكروفون قريب، مما يضاعف الترددات ليدمر الجهاز هذا المخلوق بشكل مؤلم، بيننا يظهر اثنين من المخلوقات التي تجذبها ضوضاء انفجار الطلقات النارية وتقترب من المنزل, ولكن هذه المرة ،ومن خلال معرفتهم المكتسبة حديثاً بنقطة ضعف هذه المخلوقات، تقوم أفراد العائلة بتسليح أنفسهم والاستعداد للرد.
وأيضأ نشاهد فيلم world war z ،من خلال تيمة حرب الزومبى إنتاج عام ٢٠١٣ ، الذى يقتبس من خلاله أكثر من مشهد ، وذلك واضح من خلال بداية الفيلم للمحقق السابق للأمم المتحدة، “جيري لين”، وزوجته “كارين”، وابنتيهما في حركة مرور كثيفة في فيلادلفيا عندما تغزو المدينة مجموعة من الزومبى ، ويبدأ انتشار الفوضى، و تفشي المرض في جميع أنحاء العالم، ومن ثم يفترض ، عالم الفيروسات، أن تطوير لقاح هذا الفيروس يعتمد على البحث عن أصله ، كما يحاول البطل ” يوسف الشريف” فعله داخل المسلسل . وبجانب فيلم box brid إنتاج عام ٢٠١٨ ، من خلال الخبر الذى ينذز بقيام حرب بيولوجية، تتمثل في كائنات غامضة ، إذا ما نظرت إليها تجعلك مجنوناً أو تدفعك إلى إيذاء نفسك، وهذا ما يوضحه بطل المسلسل أيضآ.

مسلسل موسى

وأيصأ قدم داخل دراما لهذا العام مسلسل (موسى ) الذى يتصف معظم عناصره من الديكور وتفاصيله الدقيقة للأكسسوار ، والإضاءة بالجودة ، بينما تتصدر صورته المستوى السينمائى الأعمق ، وخاصة فى الحلقات الاولى نسبة لأصل البطل المكانية وهى الصعيد ، مما عبرت الصورة بمنظور تشكيلى متناغم وواضح الدلالة أيضًا لشخصية البطل ومعرفتنا به وبخطوطه المختلفة مستغل مدير التصوير الطبيعة البيئية للمكان فى تكويناته ، إما على مستوى الصراع والعقدة وتقديم الشخصيات ، فمن الممكن أن يتصفوا بالنمطية ، بداية من الرسم النفسى و الجسماني ، ومرورأ بأسم البطل وهو “موسى” المرتبط بالأسم الدينى المعروف ، وحتى الاحداث فلا تخرج أيضاً عن النمطية ، لإرتباطها بزمن المسلسل الذى يدور فى فترة الاربعينيات الذى يعتمد على التجسيد و التأريخ والتراث المتعارف عليه ، مقارنة بالخروج عن تلك النمطية من خلال مدير التصوير ( محمد مختار ) و المخرج ( محمد سلامة).


مسلسل نزل بيتس ومشهد التحنيط

ومن بين الشخصيات داخل مسلسل موسى ، قدمت شخصية أثارت حالتها الفضول والتساؤل للمشاهدين وهى شخصية ” شهاب باشا” فهذه الشخصية تذكرنا بمسلسل يحمل أسم (نزل بيتس) (Bates Motel)‏ ، هو مسلسل دراما تلفزيوني ، مبنى على الأثارة الذى ينتمى إلى المدرسة النفسية ( السايكو) ، من إخراج (إد بيانكي وكريستوفر نيلسون ) ، سيناريو (كارلتون كيس، وأنتوني سيبريانو) ، بطولة ، (فيرا فارميغا ، فريدي هايمور، ماكس ثيريت) ، عرض لأول مرة في 18 مارس، عام 2013 ، حتى لقى نجاحاً وأستمر فى تكملة العديد من المواسم ، وتم عرض الموسم الخامس والأخير عام 2017 ، فالبطل هو شخصية خيالية أبتكرها الكاتب ، وقد قدمت أيضاً في فيلم سايكو (1060) المستوحى عن رواية للمخرج ألفريد هتشكوك ، فهذه الشخصية مستوحى من القاتل إد جين ، الذى صنفه معهد الفيلم الأمريكي كثاني أعظم شرير في قائمة معهد الفيلم الأمريكي خلف هانيبال ليكتر وقبل دارث فيدر ،
فكان ” نورمان.

تشابة التناول

 

وتتشابة ” شهاب” مع شخصية ” نورمان ” ، فى نفس المعاناه النفسية أى المرض النفسى الناتج عن فراق الام ، الذى لا يستطيع تقبل فكرة الحياة دونها ، فيقرر أن يقوم بتحنيطها ، ومن ثم نراهم يغنيان ويرقصان ويقوموا بكل الأشياء كأنها بجوارهم ، بينما يظل لغز التحنيط لأشقاء أيضاً متواجد داخل العملين ، ويكمن التشابه أيضاً فى الأداء الناتج من حالة الأنهيار، وبنفس جمل الحوار ( لا ماما لسة عايشة مماتتش) فنرى نفس الدافع النفسى للشخصيتين فى تلك اللحظة ، أى لحظة انفصال كلا من الشخصيتين عن جثة الام) بعدم تصديق موت الأم ، وبنفس نوع الأداء البسيط وهو أداء الصدمة بدون صراخ كما فعل ” نورمان” و ” شهاب” ، داخل الدرامتين ، لأن يظل الاختلاف متجلى من تعدد الدوافع لشخصية ” نورمان” التى تحمل خمس أجزاء .

أختلاف التناول

 

ولكن تختلف مصير الشخصيات بين الدرامتين ، ففى مسلسل ” نزل بيتس” فى الموسم الخامس تنتهى شخصية ” نورمان ” بالقتل فى الحلقة الأخيرة على يد شقيقه الأكبر “ديلن ماسيت” (أخوه غير الشقيق) داخل المطبخ بينما حاول ” نورمان ” أعداد وجبة العشاء ليتناولها مع شقيقه وجثمان والداته ، الذى قام بجلوسها على مائدة الطعام ، ولكن حينما شاهد شقيقه جثتها حاول إقناعه بأنها غير موجودة ، ويجب دفنها ، ولكن حاول ” نومان ” أن يتوسل شقيقه ببقائها معه ، وحين شعر ” نورمان ” بأصرار شقيقه على أخذها ، أستخدم السكين لقتل أخيه ، بينما حاول شقيقه تهدئته ، فأنتهى بقتله دفاعاً عن نفسه ، فشخصية “نورمان” من الموسم الاول وهى تعانى المرض النفسى من خلال فكرة الاعتماد على الأخر ، واضرار التعلق بشخص ما ، وفكرة العطاء الخطأ المبالغ فيها من قبل الوالدين ، واعتمدت دراما المسلسل ايضأ على خطوط النسيان فى شخصية “نورمان” من خلال قتل والده ووالدته ، فهو لا يتذكر ما يفعله ، كنتجه لرصد خط أخر داخل المسلسل وهو الخط الجنسي ، فعلى سبيل المثال كان ” نورمان” نتاج علاقة والداته وشقيقها منذ الصغر . ولكن فى المسلسل ، لا يقدم المؤلف كل هذه الخطوط الخلفية لشخصية ” شهاب” ، فأكتفى بملامح بسيطة ، لعرض شخصية “شهاب” أى لشخصية نورمان الأصلية ، فهو لا يكرر نفس النهاية لهذه الشخصية فى مثل الحدث الأصلى وهو (لحظة كشف اللعز )فأكتفى بتواجد الأخت والزوجة ، وبعض رجال الأمن لنقل جثمان الأم ، وفى الخلفية نرى لوحة الصرخة تعبيرأ عن حالته فى هذه اللحظة التى تكثف مشاعره الداخلية ومعادلة لها ، وهذه رؤية تحسب للمخرج، فيكمل المؤلف مصير شخصية ” شهاب” فى الحلقات التالية، بأنتصار الحب ، فتقبل فكرة موت والداته ، من خلال مساعدة زوجته ، بل وصنع عطرآ يحمل اسمها وهو عطر “شفيقة”، كى تتناوله معظم الشرائح البسيطة ، وأمتنانآ لهذا الحب ، قرر إيقاف الصراع القائم بين الأخوين ، ولكن فى لوحة بصرية من الورود ، يموت “شهاب” داخل مكان عمله غدرآ بالسكين ، تكملة لرصد الصراع من شقيقته على يد أحد طرفى الصراع من الجانب الآخر للبطل ” موسى ” ، وقد أستعار المؤلف هنا بشخصية تحمل تاريخأ من خمس أجزاء بمختلف معاناتها وهى ” نورمان” ، واشتق منها حدثآ ودافعآ واحدآ، وهو (تحيط جثمان الأم)والدافع هو (الحب وعدم الاستسلام لتقبل فكرة الموت) ، بينما جعله المؤلف متخليآ عن المنفعة من خلال صنع عطر متداول للجميع ، وهذه إشارة ذكية تحسب للمؤلف لفكرة التقسيم المجتمعى ، وجعل أيضآ نهايته أسطورية يمكنها التوائم مع سير الحكايات الشعبية داخل الخط الدرامى الأساسى للعمل ، فهذه المعالجة أستخدمت داخل السياق الدرامى كى تصعد بالصراع إلى ذروته من خلال تشابك خطوط الشخصيات فى الأحداث القادمة، وهنا أثبت المؤلف إضافته للاقتباس . وهذا ما يسمح به للمبدع وليس النقل الحرفى على سبيل المعالجة الفنية المماثلة أو الأدبية ، فحينها تصبح الكارثة مزدوجة.