سلايدرمقالات

محمد صلاح يكتب: لماذا ارتفعت أسعار الحديد والأسمنت؟

الدولة لم تدخر جهدا فى تقديم دعم لا محدود للصناعة الوطنية، إيمانا منها بأنها قاطرة التنمية، وأحد الدعائم الرئيسية للاقتصاد، وزيادة معدلات النمو، فضلا عن دورها الحيوى فى خفض نسبة البطالة، حيث يستوعب قطاع الصناعة نحو 18 مليون فرصة عمل، بما يساهم فى رفع مستوى المعيشة، وتوفير حياة كريمة للمواطنين.

حرص الدولة لحماية الصناعة الوطنية، تمثل فى إقرار تشريعات لتبسيط الإجراءات، وتقديم تسهيلات للمستثمرين المتعثرين، وتشجيع المنتج المحلى وتقليل الاعتماد على الأجنبى، من خلال منع الاستيراد العشوائى، وفرض رسوم على استيراد السلع التى لها مثيل مصرى، وخفض أسعار الغاز، الذى تراجع من 5.5 دولار إلى 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وتدرس الدولة خفضه مرة ثانية، فضلا عن تثبيت أسعار الكهرباء لمدة 5 سنوات، بعدما تم تخفيضها بقيمة 10 قروش للكيلو وات، بما ساهم فى تقليل تكلفة الإنتاج وزيادة الأرباح.

ورغم هذا الدعم المستمر، إلا أن أصحاب المصانع احترفوا استغلال أنصاف الفرص لمضاعفة الأرباح من خلال زيادة الأسعار، بدليل ما حدث فى أسعار الحديد والأسمنت، التى تجاوزت بمراحل الأسعار العالمية، وخالفت قواعد العقل والمنطق وقوانين العرض والطلب، فرغم حالة الركود التى أصابت قطاع البناء والتشييد منذ بدء جائحة كورونا، إلا أن أسعار مواد البناء شهدت قفزات لم يشهدها السوق منذ الأزمة الأولى لارتفاع الأسعار قبل 12 عاما، حيث اقترب سعر طن الحديد من 14 ألف جنيه، والأسمنت 800 جنيه للطن.

أصحاب المصانع يبحثون دائما عن المكاسب، ففى الوقت الذى فرضت فيه الدولة رسوما بقيمة 25% على واردات الحديد، لحماية الصناعة الوطنية من الإغراق، خفضت مصانع الحديد طاقتها الإنتاجية إلى 8 ملايين طن، بدلا من 13 مليون طن سنويا، واتخذ أصحاب المصانع من ارتفاع أسعار خام ” البليت” فى البورصات العالمية ذريعة لزيادة أسعار الحديد بنسبة 45%،  فالأرقام تؤكد أننا نستورد 3.5 مليون طن من خام ” البليت”، والذى ارتفع عالميا بمقدار 45 دولار بما يعنى أن تكلفة الطن زادت بنحو 700 جنيه، وليس 5 آلاف جنيه، فى ظل ثبات باقى مدخلات الإنتاج.

وإذا نظرنا للأسمنت، فالأرقام تؤكد أيضا وجود 26 مصنعا تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 83 مليون طن، يستهلك السوق المحلى منها 53 مليون طن، بما يعنى وجود 30 مليون طن فائض عن استهلاك السوق، بما يحقق التوازن فى الأسعار، إذا اعتمدنا فى ذلك على نظرية العرض والطلب، وبالتالى ليس هناك مبررا لارتفاع سعر طن الأسمنت إلى 800 جنيه.

الزيادات الكبيرة فى أسعار الحديد والأسمنت، سيكون لها نتائج وآثارا سلبية خطيرة على قطاع البناء والتشييد، لعل أبرزها إبطاء حركة البناء، وعدم تسليم المشروعات فى موعدها، وتوقف عدد كبير من شركات المقاولات، التى تعاقدت على التنفيذ بالأسعار القديمة، فضلا عن زيادة أسعار الإسكان الاجتماعى والمتوسط، وركود صناعة مهمة تساهم فى تشغيل نحو 100 مهنة مرتبطة بها.

بالتأكيد، فإن قطاع البناء والتشييد لن يتحمل تلك الزيادات المبالغ فيها، فى ظل حالة الركود الكبير التى أصابت القطاع العقارى، وأعتقد أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدى فهى تمتلك العديد من الأدوات لضبط الأسعار، لعل أبرزها تخفيض أو إلغاء رسوم الإغراق على استيراد الحديد والأسمنت، وإعادة النظر مرة أخرى فى دعم الطاقة على الصناعات كثيفة الاستهلاك.