مقالات

عادل حافظ يكتب: “ديكنز”.. من الفقر إلى الخلود

لم تكن الحياة في متناول يديه منذ طفولته، كافح كثيرًا حتى أصبح أسطورة الأدب الإنجليزي في العصر الفيكتوري بالمملكة المتحدة، وصف بعض النقاد اعماله بأنها تضاهي اعمال الكاتب الكبير “ويليام شكسبير” قدم كلا الكاتبين اعمالًا اثرت المكتبة الأدبية العالمية -التي نستمتع بها-، هذا إلى جانب حبهما الكبير للمسرح. كانت صدفة أنهم تركوا الحياة الدنيا خلال العقد السادس من عمرهما، لكن أعمالهم ستبقى.

“تشارلز جون هوفام ديكنز” المعروف باسم “تشارلز ديكنز” صحفي وكاتب وروائي، أثرت حياة في حياة العديد من الأجيال لأكثر من 170 عامًا. من خلال رواياته التي تحاكي حياة الفقراء والطبقة المتوسطة في المجتمع. يتميز أسلوبه بروح الدعابة والسخرية الشديدة والواقعية الساحرة. من أشهر أعماله “أوليفر تويست” عام 1839 و”دايفيد كوبرفيلد” عام 1850 و”قصة مدينتين” عام 1859. من خلال تلك الروايات، عرفناه؛ وعلاوة على ذلك من خلال أدوار الشخصيات المختلفة داخل كل رواية. فكيف نشأ؟ وكيف كانت حياته؟ وما هي الفوائد التي يمكن أن نتعلمها من حياته والتي يمكن أن تساعدنا في تطوير قدراتنا وتحقيق النجاح؟

“تشارلز ديكنز” هو الابن الثاني بين ثمان إخوة لوالده “جون” ووالدته “إليزابيث”. ولد عام 1812. كان “جون” كاتبًا في “مكتب الاستحقاقات” التابع للبحرية في مقاطعة كينت جنوب شرق المملكة المتحدة. بعد فترة انتقل للعمل بالمركز الرئيسي في مدينة “لندن”، وذهبت الاسرة معه، لكن “تشارلز” بقي في “كنت” لاستكمال دراسته. “جون” دائمًا ما كان يحلم بأن يكون غنيًا. فكانت لديه عادة خطيرة تتمثل في العيش في مستوى أعلى من إمكانياته، مما أدى إلى سقوط الأسرة في سلسلة من الأزمات المالية وتراكمت الديون. وبسبب هذه الظروف اضطر “تشارلز” لترك دراسته والعودة إلى “لندن” للانضمام إلى الأسرة. ثم عمل في مصنع متواضع بأجر ستة شلن في الأسبوع، حيث كانت مهمته وضع العلامة التجارية على عبوات المنتج. عجز “جون” عن سداد ديونه المتراكمة، ودخل السجن.

بعد فترة توفت جدة “تشارلز” وتركت لابنها “جون” ثروة متواضعة، تمكن من خلالها تسديد ديونه والعودة إلى عمله وحياته خارج السجن. بطبيعة الحال، عاد “تشارلز” إلى دراسته مرة أخرى، ولكن في سن الخامسة عشر اجبر لترك المدرسة مرة أخرى لإعالة الاسرة.

عمل لفترة كـ “كاتب محامي”، مما منحه فهماً جيداً للنظام القانوني. خلال هذه الفترة، علم نفسه الكتابة المختصرة. هذه المهارة الجديدة مع الخبرة التي اكتسبها، سمحت له بالعمل كصحفي مستقل ومراسل للقضايا القانونية. في وقت لاحق، ذاع صيته كصحفي وأصبح معروفًا بدقة تقاريره الصحفية. كما بدأ في كتابة أولى قصصه القصيرة تحت عنوان “اسكتشات بوز”. ومنذ تلك الفترة بدأت حياة “تشارلز ديكنز” تغيير نحو الأفضل وخاصة بعد زواجه.

روايته الأولى هي “أوليفر تويست”؛ والتي تجسد حياة طفل يتيم يعيش في الشارع، استلهمت أحداث الرواية من شعوره عندما كان طفلًا فقيرًا اضطر إلى إعالة نفسه وكسب رزقه. في ذلك الوقت، كان “تشارلز” ناشرًا لمجلة تسمى “أصناف بنتلي”، فبدأ بنشر روايته على أجزاء بين فبراير 1837 وأبريل 1838، ثم نشر الطبعة الكاملة للرواية في نوفمبر 1838.

استمرت نجاحات “تشارلز” من رواية إلى أخرى، وكانت الكلمات الصادقة ودقة التعبير هي الأسلحة التي استخدمت لإظهار الوضع الصعب للطبقات الفقيرة.
***

من هذا الجزء من قصة حياة “تشارلز ديكنز”، يمكننا أن ندرك أن كل من يعمل بجد بما فيه الكفاية سوف يحصل على نصيب من النجاح. بالطبع سيرته الكاملة أكثر تأثيراً، وبالتالي فإن أعمال “تشارلز” تجعلك تشعر بظلم تلك الحقبة بالنسبة للطبقة الفقيرة. ومع ذلك، لا تزال الأحداث والمشاهد قريبة من كثير من الناس في عصرنا هذا. المعادلة بسيطة، إذا استسلم “تشارلز” للظروف القاسية التي تعرض لها، بالتأكيد لن نجد تلك القصص والروايات التي نستمتع بها ونتعلم منها.

الدرس الأول هو عدم الاستسلام تحت أي ظرف من الظروف.

يعتقد بعض الناس أن التأخر في تحقيق النجاح الكامل أو الوصول إلى الأهداف أو تحقيق الحلم هو ظلم المجتمع لهم. هذه الحجج غير صحيحة، لأن المثابرة والتصميم والتعلم من كل الأحداث التي حدثت في الماضي هي خطوات في طريق ربط الأهداف بالإنجازات. عمل “تشارلز” كـ “كاتب محامي” ، وهي مهنة لم يحبها، لكنها ساعدته في دخول عالم الصحافة وكتابة رواياته، بجهد وألم وتصميم، شق طريقه ليصبح أسطورة في الأدب الإنجليزي في وقته وعلى مر العصور.

الدرس الثاني هو حب ما تفعل .. حتى تفعل ما تحب.

إن النجاح لا يأتي صدفة أو في فترة زمنية قصيرة، بل يحتاج إلى جهد كبير، وقدرة على استيعاب المحيط وبناء النفس واكتساب الخبرات والمهارات.. وهذا بالطبع يحتاج إلى وقت طويل.

النجاح يبدأ بالأمل مرورًا بالدافعية، ثم المهارة، لتأتي بعدها الرسالة والرؤية، العزيمة، التصور، التسامح، تنتهي بنبذ الكراهية.