مقالات

عادل حافظ بكتب: حان وقت الاتحاد

منذ يناير 2020، أخذ العالم يتأرجح بسرعة نحو أحلك فترة في العصر الحديث. جاءت ضربة غير متوقعة وأكبر من أي تكهنات من عدو مجهول يغزو كل دولة على كوكب الأرض. هذه الحرب ليست مثل أي حرب أخرى، ببساطة لأن العدو غير مرئي. السلاح الدفاعي الرئيسي الذي نمتلكه هو العلم والوعي المبني مع مرور الوقت.

جاء الوباء ليضرب بقوة وشراسة كل من يقف في وجهه، دون أي رحمة وكأنه ينتقم من الجنس البشري ككل. وفي نفس الوقت فتك بمن لم يعترف به أو من استخف به. لا يعلم أحد من أين ظهر أو من أي تحالف قد نشأ. من يقول غير ذلك يجب أن يثبت ما يقول، بلا ما يترك مجال للشك. ومع ذلك، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا؛ لا أحد منا كشعوب سوف يعرف او يتأكد من مصدر هذا الفيروس. لكن هذا ليس ببيب القصيد هنا. لقد أتاح لنا هذا العدوان أن نتعلم بعض القيم وبعض عوامل النجاح المهمة.

ما سوف نتعرض له الآن هو عامل أصيل في عملية النجاح ألا وهو مدخل العمل كفريق.

الفريق هو اتحاد شخصين أو أكثر، يتفاعلون وينسقون مع بعضهم البعض في عمل معين لتحقيق هدف مشترك أو غرض ما. فلأنسان منذ العصور القديمة لا يستطيع العيش بمفردة، فدائمًا يبحث عن رفيق له يؤنس وحدته، ويشاركه دروب الحياة، وفي الحياة المهنية يبحث عن أناس يتوافق معهم لإشباع رغباته واحتياجاته لإنجاز عمل ما.

ومن أجمل التجارب التي تهدينا للطريق الصحيح لهزيمة كوفيد-19 وتوابعه هو أن نكون فريق عالمي واحد، يتلخص هذا في معنى القصة التالية المأخوذة من كتابي “وصايا لقيادة مؤثرة”؛ وفي كل قصة إفادة عظيمة لو قرأت بالطريقة الصحيحة.

اسم وبلونة ووحدة الهدف

في إحدى المؤسسات، كان هناك فريق مكون من 35 شابًا وشابة، يتمتعون جميعًا بالحماس والذكاء والشغف لتنفيذ ما يُطلب منهم، لكن كانت هناك مشكلة تؤرق قائدة ذلك الفريق، وهي أنها لاحظت أنهم لا يتشاركون المعلومات والحلول مع بعضهم بعضًا، كما أن كل عضو كان يعمل لتحقيق ذاته وأهدافه الشخصية فقط، وليس ذات وأهداف الفريق.

فكرت في وسيلة تعلمهم أهمية العمل كفريق متجانس ومتوافق ومشارك في كل شيء، فنظمت نشاطًا ترفيهيًا في الكافتيريا الملحقة بالمؤسسة، ودعت أعضاء الفريق للحضور. عند دخولهم إلى هناك، كان قد تم تكديس جميع الطاولات والكراسي بعيدًا، فأصبح المكان أكثر اتساعًا، كما وضعت زينة مبهجة ومئات من البالونات مختلفة الألوان حول المكان، وفي منتصف الغرفة كان هناك صندوق به عدد من البالونات لم يتم نفخها بعد. تحمس الجميع للوضع، ولكنهم كانوا غير متأكدين مما يحدث.

جمعتهم القائدة وأخبرتهم أنها ستقيم مسابقة بينهم، وفي الجولة الأولى منها يأخذ كل فرد منهم بلونة من الصندوق وينفخها بحذر؛ لأنها قد تنفجر.. وبعدها يكتب اسمه عليها. وبالفعل.. بدؤوا في تنفيذ ما طُلب منهم، لكن بعضهم انفجرت البالونة الخاصة به.. فتم إعطاؤهم فرصة أخرى.

نجح 30 عضوًا فقط في تحقيق الهدف؛ فأخبرتهم أنه تم تأهيلهم إلى الجولة الثانية، وطلبت منهم ترك البالونات والخروج من الغرفة.

بعد خمس دقائق؛ تم استدعاؤهم، وطُلب من كل فرد منهم العثور على البالون المكتوب عليه اسمه، وتم تحذيرهم من أن يفجروا أيًا منهًا من البالونات، وإلا فسيتم استبعادهم من المسابقة. بحذر شديد بدأ واستمر البحث قرابة الخمسة عشرة دقيقة، ولم يعثر أي منهم على شيء. فأعلنت القائدة انتهاء تلك الجولة وتأهلهم جميعًا للجولة الثالثة والأخيرة.

هذه المرة طُلب منهم العثور على أي بالون مكتوب عليه “اسم” وإعطاؤه لصاحب هذا الاسم. لم يستغرق الأمر سوى بضع دقائق، وكان كل عضو في الفريق معه البالون الخاص به، وبذلك تحقق الهدف المطلوب.

وقفت القائدة وسطهم وأخبرتهم:

“نحن أكثر كفاءة، عندما نكون على استعداد للمشاركة مع بعضنا البعض. ونحن نستطيع حل المشكلات بطريقة أفضل عندما نعمل معًا، وليس بشكل فردي.”
***

من هذه القصة، نستطيع أن ندرك أن هذا هو الحال في اغلب دول العالم حتى وقتنا هذا؛ فتبادل المعلومات الخاصة بهذه الجائحة لا تتداول بالشكل الأمثل على الأقل على مستوى الشعوب. فما نعرفه هو نتاج اخبار متناقلة من مصدر اخباري إلى الاخر، بالإضافة أن كل من يكتب ليس متخصصًا في علوم الفيروسات ويكتب من منظورة وقناعته الشخصية وليس بنقل المعلومة بطريقة مجردة كما تم أصادرها من المصدر.

من ناحية آخري، علينا أن ندرك جيدًا ان وضع كل فرد منا في العالم مثل تجربة البحث عن البالونة، فإذا بحثنا عن البالونة الخاصة بينا بمفردنا قد نأخذ سنوات حتى ننجح أن نتغلب على تداعيات الازمة.

على كل انسان في المجتمع الدولي التوقف في التفكير بأنانية في رغباته واحتياجاته الشخصية فقط، بل عليه التفكير في مجتمعه والمجتمعات الأخرى وأن نساعد بعضنا في ايجاد طريق للحفاظ على الاخر مثل ارتداء الكمامات والحرص على التباعد الاجتماعي والعمل بتنسيق وتفاهم للخروج من تلك الازمة التي يعلم الله وحدة متى سوف تنتهي.

وأخيرًا، يتضح لنا الآن أن إعلاء المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والتغاضي عن الخلافات والتسامح ونبذ الكراهية هم طرق النجاة.